بقلم :: محمد عمر بعيو
فـي كـل مـديـنـةٍ وبـلـدةٍ وقـريـةٍ لـيـبـيـة، ورغـم كـل هـذا الـشـر الـمـتـلاطـم والـمـحـتـدم، مـظـاهـرُ مـتـجـلـيـة لـلـحـيـاة ولـلـسـلام ولـلـخـيـر ولـلـعـمـل، لا أحـد لـلأسـف إلاّ الـقـلـيـل يـلـتـفـت إلـيـهـا، أو يـتـمـعّـن فـيـهـا، أو يـنـتـبـه إلـيـهـا، ولا يـنـقـلـهـا إلـيـكم ولا يـسـلـط الأضـواء عـلـيـهـا، إعـلامٌ وتـواصـل اجـتـمـاعـي شـعـبـي يـمـلـكـه الـنـاس، ويـسـتـغـلـه كـل وسـواسٍ خـنـاس، أو إعـلامٌ رسـمـي تـمـلـكـه الـدولـة الـفـاشـلـة، تـنـفـق عـلـيـه مـن أمـوالـنـا الـضـائـعـة، أو إعـلامٌ اسـتـثـمـاري اسـتـدمـاري خـاص، تـمـتـلـكـه وتـديـره وتـسـتـخـدمـه فـي تـدمـيـر الـبـلاد وتـفـريـق الـعـبـاد، دويلات الصراعات والـمـصـالـح والـكـراسـي والـفـتـن والأجـنـدات والـعـمـالات لـلـعـواصـم والـمـخـابـرات، تُـنـفـق عـلـيـه مـن أمـوالـنـا الـمـنـهـوبـة عـبـر الـرشـاوى والـعـمـولات والـتـعـاقـدات والـتـهـريـب والاعـتـمـادات، والـهِـبـات الـمـمـنـوحـة مـن خـزائـن قـصـور ومـخـابـرات الـدويـلات، فـالـخـصـومـات أكـثـر إبـهـاراً، والـشـرور أوضـح تـمـظـهـراً وتـجـلـيـاً، والأشـرار أعـلـى صـوتـاً، والإثـارة والإسـتـثـارة هـي الـنـشـاط الإعـلامـي الـتـواصلي الأنـجـح والأربـح، فـي مـنـاخ الـصـراعـات والـنـزاعـات، فـلا شـيء أكـثـر شـهـيـةً وأرغـب عـنـد الـنـار مـن الـوقـود والـخـشـب، ولا أحـد أظـهـر مـكـانـاً وأعـلـى شـأناً فـي حـالـنـا الـكـارثـي مِـن حـمّـالـة الـحـطـب.
فـي مــصــراتــة الـتـي يـمـوج الإعـلام عـنـهـا بـمـا يـحـدث فـيـهـا مـن تـدافـعٍ مـريـر بـيـن قـوى الـسـلام وطـيـور الـظـلام، وجـدتُ شـبـابـاً يـغـرسـون مـئـات الـهـكـتـارات مِـن الأراضـي الـزراعـيـة فـي الـدافـنـيـة وكـرزاز وطـمـيـنـة بـأشـجـار الـزيـتـون الـمـبـاركـة، لـتـصـبـح بـعـد سـنـيـن قـلـيـلـة سـلـعـةً مـحـلـيـة وتـصـديـريـة، ومـصـدراً مـن مـصـادر الـثـروة الـخـاصـة والـوطـنـيـة، ووجـدت عـشـرات الـمـصـانـع تُـنـشـأ، ومـزارع وحـواضـن لـلـحـوم والـبـيـض تُـؤسـس، ورأيـت كـلـيـاتٍ جـامـعـيـةٍ تـتـطـور فـي مـقـدمـتـهـا أحـدثـهـا كـلـيـة تـقـنـيـة الـمـعـلـومـات، وأخـبـرني أسـاتـذةٌ أفـاضـل فـي كـلـيـات جـامـعـة مــصــراتــة أنـهـم مـتـصـلـون مـتـواصـلـون إنـسـانـيـاً وعـلـمـيـا مـع جـامـعـات بـنـغـازي والـجـبـل الأخـضـر وطـرابـلـس وإجـدابـيـا وسـبـها وغـيـرهـا مِـن جـامـعـات الـوطـن ومـراكـزه الـبـحـثـيـة، وجـمـعـتـنـي خـلال الأيـام الـخـمـسـة الـمـاضـيـة حـواراتٌ مـعـمـقـةٌ صـريـحـة، بـعـضـهـا كـان قـاسـيـاً دون عـنـف حـاداً دون تطاول ، مـع عـشـرات الـمـواطـنـيـن والـمـثـقـفـيـن وحـتـى الـمـؤدلـجـيـن، شـخّـصـت فـيـهـا الـمـزاج الـمـصـراتـي الـعـام، الـذي يـتـحـول مـن مـزاج مُـتـغـيّـر مُـتـقـلـبٍ مُـتـشـكـك، إلـى مـوقـف يـقـيـنـي يـزداد ثـبـاتاً وتـجـذّراً بـإصـرار مــصــراتــة عـلـى الـسـلام والـمـصـالـحـة والاسـتـقـرار، وبـنـاء الــدولــة، والـتـعـالـي عـلـى الـصـغـائـر والـصـغـار، ورفـض دسـائـس الـخـارج، ودنـاءات الـداخـل، والانـصـراف عـن نـعـيـق غـربـان بـقـايـا زمـن الـحـريـق، الـداعـيـن إلـى الـويـل والـثـبـور، والـمـحـرضـيـن عـلـى الـحـروب والـفـتـن، والـزارعـيـن بـذور الـشـر عـلـى مُـتـون الألـسـنـة وهـوامـش الـسـطـور.
هـذه مــصــراتــة الـتـي تـتـكـون، وهـذه لـــيـبـيـــا الـتـي بـإذن الله سـتـكـون، مـهـمـا اشـتـدت الـمـحـن، وتـطـاولـت الإحـن، وطـالـت الـسـنـون.
خـلال الأسـابـيـع الـقـادمـة إن كـانـت فـي الـعـمر بـقـيـة، سـأحـمـل قـلـبـي وقـلـمـي، وأجـول فـي ربـوع لـــيـبـيـــا الـحـبـيـبـة، لأنـقـل إلـيـكـم حـقـائـق الـتـصـافي لا أبـاطـيـل الـتـجـافـي، فـالـخـيـر بـاقٍ فـيـنـا مـا بـقـيـنـا أسـلافـاً وأخـلاف، وإنّ أهـل الـخـيـر بــمشـيـئـة الله لـمـنـتـصـرون.