حرية سليمان
للحالمين الغاضبين لأي سبب منطقي..
سواء حالت سجون الجسد بين رغبتهم في الفعل وقدرتهم على تحقيقه ؛ فالإنسان مهما أوتي من قدرة ومهما بلغ من قوة مكبل، ترزح حياته طوال الوقت بين ما يتمنى فعله، وبين ما يحياه ضمن قلق متواتر، صدع في الروح يحول بين الإنسان وسعادته ورضاه، آمال عظيمة قد يجهضها ضعف المعطيات أو سجون المادة كونها كتلة صماء لن تعطيه ميزة تشكيل العالم كيفما أراد.
لن تنبت له أجنحة ذات خيال تؤهله للتحليق بعيدا بعيدا، ولن تستحيل أفكاره تافهة كانت أو عظيمة لشموس صغيرة يمكنه بلحظة مد أصابعه وإمساكها،
أو تشكيلها كقطعة حلوى لذيذة والتهامها.
ولن يأتيه سانتا بليلة عيد بمزلجة تجرها أزواج الرنة متعجلا يصيح :
“الآن، إلى الأمام كوميت! إلى الأمام كيوبيد! إلى الأمام دوندر وبليتزن!”
ليهبه من الأمنيات ما أراد.
ولهؤلاء الذين اجتهدوا متكلين على ما بجعبتهم من صدق كزاد للطريق، واقفين على ناصية الحلم كما حثهم “درويش” فخانهم الحلم أو حتى ملوا، أو وثقوا بالرفاق فذهبوا وتخلوا، هؤلاء الذين انتموا للشارع بحراكه، وحكاياته، وناسه، وانفعالاته، وثوراته فاختفى الشارع وغاب كل ذلك، هؤلاء الذين انتظروا إخضرار الفصول وبوح العصافير، ودفء التفاصيل.. فلم يحصدوا غير فراغ الصور وشغور المشاهد والمقاعد!
ولهؤلاء المنتمين مثلي للحظات الضعف الإنساني التي قد تحفزها أغنية عاطفية، أو مقطوعة موسيقية، أو يثيرها شعور بليلة ممطرة يحرره صوت فيروز ” رجعت الشتوية”، أو قراءة فلسفية ل”كانط” تلخص الارتباط الوثيق بين الذات والوجود، أو أخرى إنسانية تدعم الوعي، وتتركك بحالة من الصفاء الذهني، والرضا عن الذات.. لا لشيء عبقري إنما لأنها لامست ما يعتمل بداخلك من مشاعر، ويصطخب بصدرك من كلام، وما يختزنه ضميرك من رقابة على أفعالك.
فنحن لم نخلق عبثا.
ولهؤلاء الذين وثقوا فيما وراء زنازين أرواحهم؛ فلم يعد ممكنا غير أن يغردوا خارجها.
ولهؤلاء الباحثين عن الحرية التي قد تتلخص في كلمة أو صورة أو معنى ما.
وربما كانت الحرية من وجهة نظرهم مجرد كوب ساخن من الشاي يمكن لمس حوافه لاقتناص الدفء بشرفة عتيقة تطل على ميدان واسع.
ولهؤلاء الذين تعنيهم الفروق الجبارة الساكنة براح التفاصيل.
هؤلاء الذين تعنيهم الألوان، ودلالاتها، والصور، ووضوحها، والسفر، وناسه، والعبرة منه.
هؤلاء المستمرون في الحياة إيمانا بالمحبة.. مدعومون بالنوستالجيا، مشحونون باليقين في إيجابية العطاء.
لكل هؤلاء.. أحلموا..
لا تغضبوا.. استمروا مهما بلغكم من رداءة الواقع. قاوموا برغم “عطب الروح“.
فالحياة على طولها وعرضها لن تمنح عروضا جيدة غير للمغامر الذي يستخدم حواسه كلها في كل الظروف، وفي اسوأ الاحتمالات لكي يتحرر من سجون ذاته محلقا للبراح الأكبر .. متمسكا بالقيم رافضا الرادءة.. متحصنا بالنبل.. مرتكزا على ما بجعبته من ذكريات.