بقلم :: محمد عمر بعيو
لـــيـبـيـــا مِن الحد إلى الحد، والمخمصة تطوقها، والضنك يحاصرها، والفقر يداهمها، والفاقة تمتص من أوصالها رحيق الحياة، وأوبئة الأمراض والمخدرات والإرهاب تسلبها آخر ما تبقى فيها من حصون المناعة، والتخريب والتهريب والتجريف والتخريف تكاد تجعلها قاعاً صفصفا ..
شعبها يذوي بين مواطن البؤس ومنافي المذلة، رجالها يستذلُّهم شذاذ الآفاق بلا مروءة، ونساؤها يستدرجهن عديمو المروءة إلى مهاوي الفساد بلا شرف، وأطفالها تُلقي بهم كلاب السوق على قارعة الجوع بلا براءة، وشبابها يذهبون حطب حروب النزوات وغزوات المرابين في سوق الدناءات بلا ثمن.
لـــيـبـيـــا .. وهذا حالها الظاهر للعيان كشمس حزيران، الواضح لكل ذي بصر وبصيرةٍ وبَـنـان، لا تحتاج المزيد من الحروب والنزاعات والصراعات والمصائب والنوائب، بل تحتاج دواء السلام لتشفى، ومـاء التصافي لتبقى، وغـذاء المحبة كي لا تشقى.
سبعون شهراً عجافاً وثلاثْ مِن زمن حروب الأهل في بطون الأهل، تحط رحالها اليوم في فـــزان مخزن الطُهر، وخزينة الغذاء، وخزان الماء، ليقتتل الإخوة من جديد، وليفلَّ الحديدُ الحديد، فيفنى البشر ويبقى الحديد الصديء، وتزداد الجروح والقروح والصديد، وليلتهب جسد الوطن المريض أكثر حتى يصبح بتر أوصاله عن بعضها العلاجَ الأخير الوحيد، وياله من علاجٍ الموتُ أهون منه وأقلُّ هَولا.
هــذا نـــداءٌ صادق من القلب لأهلي في مصراتة أن لا ترتضوا أن يكون لحمكم قرباناً على مذبح شياطين السلطة وأبالسة الغنائم وعملاء العواصم، ونـداءٌ لأخينا محمد بن نايل ومن معه أن عُـد إلى شاطئك ففيه الأمان لا في تمنهنت، ونــداءٌ لأهل فزان جميعاً أن لا تجعلوا تجار الدم وفجار التسلط في الشمال الملتهب، يستخدمونكم في نيران حماقاتهم حطباً وخشب، ونــداءٌ إلى المشير خليفة حفتر، أن لا يكتب على نفسه وهو في الهزيع الأخير من عمره لعنة إشعال حربٍ أهلية قد لا تُبقي ولا تذر، قد تبقى بعد ان يرحل وأعمار الكوارث أطول من أعمار البشر، فليس هكذا يكون بناء الجيش الوطني الليبي الذي بقدر ما نبتغيه ونطلبه صرنا نخاف عليه أن يتمزق أكثر مما هو مُمزق، وأن يصبح مجرد فرقة من فرق الموت تحركها طموحات الذات، ويُسبغ عليها زوراً بشرع التأويل مشائخ التضليل سمت الفرقة الناجية.
أيها الذين لا تزال فيهم بقية من دين ووطنية، ممن يحشدون اليوم الصفوف للحرب الأهلية في الصحراء الليبية، تعالوا إلى كلمة سواء، أن ضعوا السلاح وتفاوضوا، وستحققون بالجلوس تحت خيمة الحوار أكثر مما ستحققونه مهما اشتطت مطالبكم بالتمترس خلف تبات الموت وعواصف النار، واسألوا أنفسكم ما القضية التي تتحاربون لأجلها، ومصير الوطن وأهله أقدس وأسمى قضية، وأي طرف منكم أخطر على الآخر من خطر الإرهاب والخراب والفقر والتخريب والتهريب والنهب والجهل والأمراض وكل مهددات الوجود.
أقــول هــذا وكفى سائلاً الله أن يهدي الجميع سبيل الرشاد، وأُشهد الله أنّي وكل الخيّرين في هذي البلاد براءٌ مما يعمل الظالمون.