“فلترقد في العدم”… حين يسخر الإلحاد من الحياة والموت معًا

“فلترقد في العدم”… حين يسخر الإلحاد من الحياة والموت معًا

  • سلمى مسعود عداس

في ظل ما يشهده المجتمع الإفريقي المسلم من تحولات فكرية وثقافية متسارعة، بدأت تطفو على السطح ظاهرة دخيلة لا تمتّ لقيم مجتمعاتنا ولا لعقيدتنا ولا لتراثنا بأي صلة، ألا وهي ظاهرة الإلحاد.

لقد أصبح من المقلق أن نسمع عن شبابٍ ينجرفون وراء أفكار منحرفة، لا تستند إلى عقل ولا منطق، فضلًا عن كونها تتناقض صراحةً مع فطرتهم التي فُطروا عليها.

الإيمان فطرة والإلحاد انحراف عنها

قال تعالى:

{فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم:30]

الإيمان بالله مغروس في وجدان كل إنسان، ولكن الجهل والتأثر بثقافات منحلة، إلى جانب الانفتاح غير الواعي على وسائل التواصل، جعل بعض الشباب فريسة سهلة لأفكار تُروّج للإلحاد على أنه تحرر أو تطور.

من يقودون الشباب للإلحاد؟

غالب من يدعون إلى الإلحاد لا يحملون فكرًا متينًا، بل يعتمدون على ترديد شبهات مأخوذة من بيئات غريبة، دون تمحيص أو عمق.

فالإلحاد بالنسبة لهم ليس بحثًا عن الحقيقة، بل وسيلة للهروب من الأسئلة الكبرى، أو ردّ فعل على مظاهر دينية مغلوطة.

منصات الإلحاد الافتراضية… دعوة للتشكيك تحت عباءة الحرية

في السنوات الأخيرة، ظهرت على منصات التواصل صفحات ومحتويات تروج للتشكيك الديني، تحت عناوين براقة مثل “حرية الفكر” أو “الإصلاح الديني”.

لكنها في العمق تنشر الشبهات، وتُسيء للدين، وتستهزئ بالشعائر، وتصوّر الإسلام كأنه عائق للتقدم.

الخطير أن هذه المنصات تستخدم لغة ناعمة ظاهرها عقلاني، وباطنها عدائي.

نحن لا نرفض السؤال، ولكن هناك فرق بين من يسأل ليبحث، ومن يشكك ليهدم.

قال تعالى:

{يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8]

الإلحاد حين يتجسد في خطاب ساخر: من التشكيك في وجود الله إلى السخرية من نعمة الحياة

من المثير للشفقة أن يتجسد الإلحاد أحيانًا في نصوص ساخرة تنكر كل قيمة إنسانية، وتسخر حتى من الأبوة والأمومة.

يُصوَّر الطفل كمأساة، والأم كضحية، والإنجاب كخطيئة.

هذه النظرة لا تعبّر عن فلسفة، بل عن خلل داخلي، وغربة عن الفطرة.

إن من يُنكر خالق الحياة، لن يُبجّل معانيها، ومن يسخر من الرحِم، فلن يقدّس الرحم.

الإلحاد والفلسفة… حين يُساء فهم السؤال وتُختزل الحقيقة

يتخفّى بعض الملاحدة خلف عباءة الفلسفة، متظاهرين بالعمق الفكري، وهم لم يقرؤوا إلا سطورًا مشوهة من كتب لم يفهموها.

فالفلسفة الحقّة لا ترفض الإيمان، بل تُمهّد له عبر التأمل، والتفكّر، والبحث عن الحقيقة.

إن من يحتفي بنيتشه وسارتر، وهو لا يفرّق بين “الوجودية” و”العدمية”، لا يمثل العقل الفلسفي، بل مجرد صوتٍ ضائع يتكئ على أسماء كبرى لتبرير خواء داخلي.

الملحدون… تعصّب باسم العقل!

الغريب أن من يدّعي “العقلانية” كثيرًا ما يكون الأكثر تعصبًا لفكره، والأقل استعدادًا للحوار.

يدّعون أنهم قرأوا القرآن ولم يقتنعوا، بينما من يقرأه بتجرّد، يجد فيه خطابًا يخاطب الروح والعقل معًا.

قال تعالى:

{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82]

الإسلام دين سلام لا حرب

من أبرز شبهات الملاحدة، تصوير الإسلام كدين عنف.

لكن الحقيقة أن الإسلام وضع قواعد أخلاقية للقتال، وحرّم الاعتداء، ورفع شعار العدالة والرحمة.

قال تعالى:

{وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190]

الإسلام دين عقل وعلم

الدين لا يعارض العقل، بل يرشده.

والقرآن مملوء بدعوات التفكر والتدبر، وليس فيه ما يناقض الفطرة السليمة.

قال تعالى:

{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ} [فصلت: 53]

الإلحاد خراب للنفس والمجتمع

من يفقد إيمانه، يفقد بوصلته الأخلاقية، وينزلق إلى العبث.

وتؤكد الدراسات أن الإلحاد يرتبط بمعدلات أعلى من الاكتئاب والانتحار، لأن الروح لا تكتفي بالمنطق، بل تحتاج إلى يقين وسكينة.

عند الموت… المؤمن يعود، والملحد يختفي في العدم!

حين يرحل إنسان عن هذه الدنيا، يرفع المؤمنون أكفهم قائلين: “إنا لله وإنا إليه راجعون”، لأنهم يؤمنون أن الروح لا تفنى، بل تعود إلى خالقها، وأن وراء الموت حسابًا وعدلًا وحياةً أخرى.

أما الملحد، فكل ما يستطيع قوله هو: “فلترقد روحك في العدم” أو “وداعًا أيها الجسد، انتهت مهمتك”…

يضحكون أحيانًا وهم يودّعون الموتى بكلمات من قبيل “ارقد بسلام في الفراغ”، لأنهم ببساطة لا يؤمنون بأن هناك إلهًا أو بعثًا أو روحًا أصلاً.

كل شيء عندهم مادة… تفككت فعادت إلى الطبيعة، وانتهى الأمر.

لكن كم هو مُحزن أن يُختزل الإنسان في “حفنة كربون”، وأن يتحوّل الموت من لحظة تأمل في المصير إلى لحظة عبث فارغ لا يحمل أي معنى.

إن من لا يؤمن بالله، لا يؤمن بالعدالة المطلقة، ولا بالجزاء، ولا بالرجاء…

بل يرى في النهاية “نقطة سوداء على شاشة كونية صمّاء”، لا أكثر.

المجتمع الإفريقي المسلم… الثبات في وجه الموجات الوافدة

رغم تنوّع الثقافات واختلاف البيئات في إفريقيا، إلا أن المجتمعات الإفريقية المسلمة بقيت على مرّ العصور متشبثة بعقيدتها، محافظة على فطرتها، مستمسكة بقيمها الروحية.

لكن في ظل الانفتاح الرقمي غير المنضبط، بدأت بعض هذه المجتمعات تتعرض لموجات فكرية دخيلة، من أبرزها الإلحاد المغلّف بشعارات الحرية والتنوير.

وما يزيد الأمر خطورة أن هذه الموجات قد تتسلل عبر بوابات التعليم، والفن، والفضاء الإعلامي المفتوح، فتستهدف عقولًا شابة في مراحل حساسة.

لذلك، فإن الوعي الديني والتربوي في إفريقيا بات ضرورة لا ترفًا، ويجب أن تُبذل جهود مؤسساتية ومجتمعية لتحصين الهوية الإسلامية، ومواجهة موجات التشكيك بالحجة والمنهج الرصين.

العودة إلى الله هي الحل

الإيمان ليس تقييدًا، بل تحرير حقيقي من الخوف، والضياع، والتشتت.

من قرأ القرآن بتدبر، وطلب الحقيقة بنيّة خالصة، وجد النور، وجد المعنى، ووجد السلام.

خاتمة

ظاهرة الإلحاد ليست ظاهرة فكرية فقط، بل هي أزمة هوية، وفراغ روحي، واغتراب عن الفطرة.

ولا يجوز أن نقف متفرجين أمام موجات التشكيك التي تضرب أبناءنا تحت شعارات براقة.

الإسلام ليس عائقًا أمام العقل، بل حاضن له.

والمعركة اليوم هي معركة وعي، ومسؤولية مشتركة بين الأسرة، والمجتمع، والمؤسسات.

فلنغرس اليقين في نفوس شبابنا، ونحمي عقولهم من الضياع، ونعلّمهم كيف يسألون ليعرفوا، لا ليهدموا.

فالدين ليس اختيارًا عرضيًا، بل هو حقٌّ في القلب، ونورٌ في العقل، وأمانٌ في الحياة.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :