بقلم :: محمد عمر بعيو
باعتراف السيد [رمـزي الآغـا]، المسؤول بالمصرف المركزي البيضاء، أن حكومةعبدالله الثني تشتري الدولار من السوق السوداء بالصكوك المصدقة وبأي سعر، لتمويل نفقاتها الخارجية، عرف الليبيون أحد الأسباب الرئيسية لحالة الجنون التي أصابت أسعار العملات الصعبة في السوق الموازية أو السوداء.
ورغم أن المذيع محمد زيدان، الذي كانت يستضيفه ليلتها في برنامجه ذي الشعبية الكبيرة [ســجــال] بدا مصدوماً من هذا التصريح الصريح، الذي ربما ندم عليه السيد رمزي، وربما تلقّى لوماً وتقريعاً شديدين بسببه من رؤسائه، الذين يسوؤهم هذا الكلام جداً ويسيء إليهم جداً، ويظهرهم أمام الليبيين بمثابة شركاء حقيقيين في جريمة المضاربة، التي ضربت الدينار في مقتل، وجعلت معيشة الناس أصعب لارتفاع الأسعار، بينما هُم يصرخون في وجوهنا ليل نهار إنهم منضبطون ملتزمون حريصون، وأن كل ما أصاب الاقتصاد من انهيار، والعملة الوطنية من انكسار، هو مسؤولية وجريمة شخص واحد تجري شيطنته ليل النهار، كي يبدو ويبقى الشياطين في عيون الليبيين من الملائكة الأبرار، فإنه لابد من احترام صراحة السيد رمزي، وشكره على قوله الحقيقة، سواء قصدها وكان مخططاً لها بالمشاركة مع آخرين ربما ضاقوا ذرعاً بممارسات الثني العنيد، أو أجراها الله على لسانه كلمة حق في مقام بهتان.
لا أريد أن أبدو متصيداً لصراحةٍ أو لخطأٍ أو زلة لسان، ولم يفاجئني ما قاله الآغا كاعتراف فأنا أعرفه قبل أن يقوله، لكنني أريد أن أقول بصراحة تامة ومع تحفظي الشخصي على كفاءة وجدارة السيد الثني والتي ليست أفضل منه كفاءة بقية المحسوبين علينا رجال دولة وهُم مجرد هواة متطفلين وجهلةٍ عابثين:-
إن وجود الحكومة المؤقتة غير المعترف بها دولياً في البيضاء، لا يختلف من حيث الواقع القانوني والشعبي عن وجود المجلس الرئاسي المعترف به خارجياً وحكومته المؤقتة المنعدمة الوجود فعلياً وشرعياً في طرابلس، وفي غياب وحدة السلطة التي هي من المقومات الأساسية لوجود الدولة، في جوهرها الواقعي الحقيقي لا في شكلها الإطاري النظري، وهنا تبرز حقيقة ساطعة صارخة لا يغفل عنها إلاّ جاهلٌ أو متجاهل، ومؤداها أن كل أجسام السلطة المزعومة في لـــيـبـيـــا وهياكلها الإدارية العامة توصف وتصنف تحت مفهوم سلطات الأمر الواقع، أي المفروض بالقوة القهرية، أياً كان مظهرها، لا بالشرعية الحقيقية أياً كان مصدرها، ولهذا فإن من حق حكومة الثني والمؤسسات الموجودة في شرق البلاد، والتي يعترف بها ويتعامل معها كثير من المواطنين اختياراً أو اضطراراً في غرب وجنوب البلاد، والتي وللأمانة تؤدي أداءً أقل سوءً إن لم يكن أفضل من أداء مجلس السراج، الذي هو مجرد واجهة سياسية مدنية للجماعات المسلحة غير النظامية، أن تحصل على متطلبات نفقاتها بالعملات المحلية والأجنبية، مثلما يحصل المجلس الرئاسي والوزارات المفوضة والمؤسسات التي تزعم ولاءها له، وما دام منطق الدولة غائباً في متاهات الصراع، وإلى أن ينجلي الصراع وتقوم الدولة، فإن كل سلطات الأمر الواقع يجب أن تنال نفس المعاملة والمزايا، على حساب الشعب البائس في كل أنحاء الوطن، الذي لا يجد الغذاء والدواء، بينما يتوفر للمسؤولين المزعومين ولسادتهم المسلحين، ولأتباعهم المنافقين كل شيء، من بُسط التشريفات الحمراء، إلى أوراق الدينار الزرقاء، والدولار الخضراء، وفنادق تونس البيضاء.
وما دمنا في زمن المنطق الفاسد، الذي يعتبر المساواة في الظلم عدل، والتساوي في السرقة أمانة، والتعادل في الإجحاف إنصاف، فإنني أطالب بمنح مجلس النواب وحكومة الثني ما ينفقون منه على مهامهم وسفرياتهم، بالمساواة مع رئاسي السراج وأعلى السويحلي، كي يترك صكوكه المصدقة في مصارفنا هناك التي أوشكت على الإفلاس والإنهيار، ولا يضارب بها على الدينار، ويترك لنا دينارنا البائس نلوذ به ويحتمي بنا، فلا يسرقه التجار الفجار أكثر، ولا يحرقنا سماسرة الدولار بنار الأسعار أكثر.