- محمود السوكني
الكتابة إلتزام اخلاقي قبل أن تكون هواية أو مهنة ، وهي لذلك ترضخ لمجموعة من المعايير وتخضع طوعيّاً لضوابط وشروط لا فكاك منها كما لا يصح تجاوزها .
عندما نتعرض لموضوع ما يجب أن نخضع ما يصدر عنّا لتلك الضوابط والشروط ونلتزم بتلك المعايير وإن احكمت قبضتها على مخارج حروفنا ومنعتنا من الإسترسال الذي قد يفسد المعنى أو يذهب بنا إلى غير مانشتهي أو نرغب وأحياناً حتى ما نقصد .
ما دفعني إلى هذا المقال هو
إتهام البعض لنا بأننا قد جنحنا إلى السلم , وكأننا كنا في حرب وهربنا من ساحة المعركة، رافعين الراية البيضاء ، دلیل انهزامنا وعلامة على خنوعنا !!
يقولون إنّا قد توقفنا عن الكتابات النارية، وأصبحنا نتجنب العبارات الملتهبة ، وان مانكتبه لا حرارة فيه ، ولا طعم له ولا توابل ! وكأننا نعد أكلات حراقة بالفلفل والبهارات الهندية !
يقذفوننا بالجبن ، و يتهموننا بالخوف من الاخر ؟!
نعتونا باقدع الصفات ، لاننا لم نعد ننتقد بحده ، ولم نعد نملك الجراة على كشف العورات ، وفضح المخالفات ، وتعرية الواقع المتردي !!
قالوا عنا ، إننا تخلينا عن محاربة الفساد ، وتسليط الضوء على الممارسات الخاطئة ، وإماطة اللثام عن قضايا التخريب ، و تعزير اصحابها !.
نزعوا عنّا كل الالقاب التي منحوها لنا ، وجردونا من كل الصفات التي أسبغوها علينا ، واصبحنا في نظرهم مجرد أبواق جوفاء ، واصوات نشاز تنعق في مسيرة الخراب !!
وكل ذلك ، لأننا إقتنعنا بان المساهمة الفاعلة في الإصلاح ، لا تنحصر في كشف الأخطاء وكفى ، بل وفي الاشادة بالخطوات المصيبة الراجحة ، و في التنويه بالإتجاه الصحيح ، وفي تقدير كل جهد يصب في تعزيز قدرات الوطن ويساهم في نهوضه وتقدمه .
إذا كان البعض يعتقد في اننا جئنا لكي نسب و نلعن ، ونقيم حفلات الزار وسرادقات العزاء لكل فعل خاطيء ، فهو واهم !
وإذا اعتقد اخرون أن مهمتنا تصيّد الأخطاء حتى وإن كانت عن غير قصد ، أو كانت نتيجة حراك يرنو إلى النجاح ، وقابل للفشل فهو دون شك سادر في غيه.!
لسنا دعاة هدم ، ولن نكون معاول للتخريب والتدمير في ايدي أعداء النجاح ، وحزب الظلاميين ، وثلة المتشائمين !
قد نقسو احيانا ، وقد يشتط بنا الغضب ، وترتفع وتيرة التذمر ، ولكننا سلیمو القصد ، حسنو النية ، تحركنا دائما نوازع الغيرة ، وتدفعنا حماسة التوق لوطن متفوق تشق راياته عنان السماء .
تلك غاياتنا ، وهي أهدافنا التي تعاهدنا عليها واقسمنا أن نبر بها ، ولن نتراجع عنها ، ولن تسكت اصواتنا عن البوح بها ، ولن تجف أقلامنا عن المناداة بتحقيقها ، لأننا خلقنا لها ، ولأنها جعلت من أجلنا ، أما المتشوقون للاثارة ، والمحبون لها ، عشاق سادية الكَلم ، والباحثون دائما عن النقد لأجل النقد ، والتجريح لاجل التشفي ، والفضائح لتناقلها والتنذر بها و اذلال اصحابها وقهرهم ، فبضاعتهم ليست عندنا ، وشبقهم الشاذ لا يمكننا إرضاء رغباته !! وعليهم أن يقصدوا غيرننا ، و يبحثوا عن سوانا ، فمصادر العهر الإعلامي كثيرة ومتعددة ، ومواقع الإثارة الفاسدة ، وحبال نشر الغسيل القذرة تنتشر في كل نقله لتلك الشبكة العنكبوتية التي لا ضابط لها ، ولا قواعد تنظم مخارجها !! سنداوم على أداء دورنا بشرف ضمن كتائب الجموع ، ولن تستهوينا عبارات المديح سيئة النية ، كما لن تثنينا الصداقات المريبة عن قول الحقيقة ، و فضح الفساد عند الضرورة , وعندما يكون الجهر به لأجل الوطن ، لا لسواه .














