الحدود الليبية – النيجيرية، صراع يومي يلتهم الاستقرار

الحدود الليبية – النيجيرية، صراع يومي يلتهم الاستقرار

فسانيا : مريم محمد الأمين : النيجر

تمتد الحدود الليبية مع النيجر لمسافة تقارب 342 كيلومترًا وسط صحراء مترامية الأطراف، خط جغرافي رسمته اتفاقية فرنسية ليبية عام 1955، لكنه تحوّل اليوم إلى مسرح مفتوح للصراع، حيث تتشابك فيه حركة المهاجرين مع نشاط التهريب والانفلات الأمني. في هذا الشريط الحدودي القاسي، لا يمر يوم دون أن تترك الأحداث بصمتها العميقة على حياة الناس، فالمكان صار بوابة للهروب بالنسبة للبعض، وبؤرة للفوضى بالنسبة لآخرين.

رحلة المهاجرين عبر هذه الحدود هي أقرب إلى اختبار للبقاء على قيد الحياة. قوافل بشرية تنطلق من أعماق أفريقيا، تمرّ عبر النيجر متجهة إلى ليبيا، مدفوعة بالأمل في الوصول إلى أوروبا. غير أن هذا الأمل غالبًا ما ينتهي بالموت عطشًا في الصحراء أو بالوقوع في شباك المهربين. في يناير 2025 مثلًا، قامت السلطات الليبية بترحيل أكثر من ستمائة نيجيري عبر الصحراء في رحلة وصفتها المنظمة الدولية للهجرة بأنها خطيرة وصادمة، فيما يشير تقرير أممي إلى أن أكثر من اثنين وسبعين ألف مهاجر فقدوا حياتهم منذ عام 2014، مع تسجيل عام 2024 كأكثر الأعوام دموية على طرق الهجرة. ولا يقتصر الخطر على العطش والجوع، ففي مايو 2025 لقي أحد عشر مهاجرًا سودانيًا مصرعهم إثر حادث مروري مأساوي قرب مدينة الكفرة.

إلى جانب الهجرة، ينشط اقتصاد ظل متشعب يعبر هذه الحدود بلا توقف. من الوقود إلى الذهب، ومن السلع الغذائية إلى السلاح والمخدرات، تتحرك قوافل التهريب يوميًا، لتغذي شبكات إجرامية معقدة عابرة للحدود. منذ اندلاع النزاع في ليبيا عام 2011، أصبحت البلاد عقدة رئيسية للتهريب والاتجار بالبشر، فيما أدى تجريم اقتصاد الهجرة في مدينة أغاديز النيجرية إلى انتقال النشاط إلى مسارات أشد سرية وأكثر خطورة، ما ضاعف من استغلال المهاجرين وجعل رحلاتهم أشبه بطرق للموت.

أما الجانب الأمني، فيكاد يكون الغائب الأكبر. الحدود باتت ممرًا مفتوحًا لكل ما هو غير مشروع، والأسلحة والمسلحون يعبرون بحرية في ظل غياب التنسيق بين البلدين. داخل ليبيا، تشير تقديرات إلى وجود نحو خمسة آلاف مهاجر محتجزين في مراكز يديرها مسلحون، حيث يتعرضون للتعذيب والابتزاز مقابل المال. وفي يونيو 2025 شهدت النيجر هجومًا مسلحًا في منطقة بانيبانغو أسفر عن مقتل أربعة وثلاثين جنديًا، في مؤشر على هشاشة الوضع الأمني في محيط الحدود. الأخطر من ذلك أن الصحراء كشفت عن مآسٍ صادمة، كان أبرزها العثور على قبرين جماعيين في الكفرة يضمان جثث نحو تسعة وأربعين مهاجرًا، بينما تمكنت قوات محلية من تحرير ستة وسبعين آخرين من قبضة المهربين.

ورغم قتامة المشهد، فإن الروابط القبلية والتجارية بين المجتمعات الحدودية لا تزال قادرة على تحويل هذه المنطقة من بؤرة توتر إلى جسر تعاون. القبائل التي تعيش على جانبي الحدود، من الطوارق والتبو وغيرهم، ترتبط بعلاقات نسب وتجارة قديمة، ويمكن أن تكون عنصرًا مساعدًا على الاستقرار بدل أن تبقى جزءًا من المشكلة. لكن ذلك يتطلب إرادة سياسية حقيقية تعيد ضبط الحدود وتوقف نزيف التهريب والهجرة غير الشرعية وتؤسس لشراكات أمنية واقتصادية مشتركة.

اليوم، يعيش الليبيون والنيجيريون على خط نار مفتوح، حيث تتحول الأحداث اليومية إلى عبء ثقيل على المواطن العادي. الحدود لم تعد مجرد خط جغرافي، بل صارت مسرحًا لصراع إقليمي تتقاطع فيه مصالح الجريمة مع أحلام الفقراء واللاجئين. وما لم يتحول هذا الصراع إلى شراكة مبنية على التعاون والتنسيق، فإن هذه المنطقة ستظل بؤرة مشتعلة بالفوضى والاضطراب، تطحن أرواح الأبرياء وتغذي دوامة لا تنتهي من الأزمات الإنسانية والأمنية.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :