مكناس دفء الأرض الطيبة وسحر الأصالة والجذور

مكناس دفء الأرض الطيبة وسحر الأصالة والجذور

  • نيفين الهوني

إذا وطئتَ أرض مكناس أحسستَ أنك تدخل مدينة لم تخرج بعد من عباءة التاريخ ولم تنغمس كل الانغماس في لهاث العصر فهي مدينة تجمع بين السكون والمهابة كشيخ وقور يحدّثك عن الدنيا بعين ترى الآخرة في جدرانها رائحة الطين الممزوج بالمسك وفي هوائها عبق الزاوية والكتاب وفي أسواقها حياة تموج بين صوت البائع وأنين الصانع وهمس الذاكرين في الزوايا القريبة هكذا رأيتها ولمستها واستنشقت عبق تاريخها حينما زرتها لأول مرة في حياتي عام 2009 بدعوة من صديقتنا الفنانة السينمائية المغربية سهام الشراط برفقة الفنانة الليبية حنان الشويهدي بعد عودتنا من مهرجان طنجة المسرحي رفقة الفرقة المسرحية لجامعة العرب الطبية حيث خرجنا من طنجة إلى مكناس بالقطار لنقضي ما تبقى لنا من أيام في دولة المغرب في مدينة مكناس وتحديدا في ضيافة الفنانة وأسرتها الكريمة حيث استقبلونا بترحاب كبير والدها ووالدتها والراحلة جدتها رحمة الله عليها

وكان استقبالهم احتفائي فأهل مكناس يشبهون مدينتهم هادئون بعمق متجذرون بأصالة يحملون في نبرات صوتهم رصانة الماضي وفي ابتسامتهم دفء الأرض الطيبة وهم قوم يجمعون بين الحياء والمروءة وبين الاعتزاز والانفتاح يحبون البساطة دون أن يتخلوا عن الذوق ويكرمون الضيف بكرم لا يُسأل عن سببه كنا في مجالسهم نسمع حديثا متزنا وفي وجوههم نرى احتراما متبادلا بين رجالهم ونسائهم  والمرأة المكناسية تعرف برقتها وأناقتها وكأنها من نساء الأندلس خرجت من كتب التاريخ  بالإضافة إلى كونها طاهية جيدة وربة بيت من الطراز الأول و مائدتها قصيدة طهي مزخرفة بالنكهات فلكل طبق حكاية مثلما حدثتنا جدة صديقتي  ولكل نكهة ذكرى من بيت قديم وتاريخ أقدم  ومن أشهر الأطباق التي أصرت  على طبخها لنا  لنتذوقها هي الطاجين المكناسي الذي يجمع بين اللحم الطري والتوابل العطرة والزبيب والبرقوق في انسجام يجعل المذاق سفيرًا للمدينة والذي تحدثنا كثيرا عن أن جدتي لأمي تطبخه لنا على الرغم من عدم زيارتها للمغرب ولقد أخبرتني أن الأندلسيين هم من جلبوه معهم ولذا هو معروف في كل الدول التي مروا بها وخصوصا لدى كبار السن لكن الفرق في مكناس أنه أصبح رمزا لمطبخ المدينة  كما تشتهر مكناس بالمروزية  وهي أكلة العيد والرفيسة التي تعد رمزا للكرم في المناسبات العائلية  وهي طبق مغاربي يعتمد على نوع من الخبز الموحد والتمر واللوز واللحم او الدجاج ولكنه ايضا يقدم بأشكال أخرى في مدن أخرى مغاربية  ولا تذكر مكناس دون الحديث عن زيت الزيتون الذي يعدّ من أصفى الزيوت في المغرب وكذلك الخبز التقليدي الذي يخبز على نار الحطب فيفوح برائحة الأرض أما الحلويات فحكاية أخرى لقد زاد وزني بعد بقائي هناك كل تلك الأيام فمن من الفقاص إلى الكعب الغرافي والبريوات بالعسل واللوز وهي حلوى من التراث كان حديث الجدة بلهجة متزنة  بين الفصحى والعامية و لكنة تحمل نغمة موسيقية محببة. أستغرقت رحلتنا هناك 10 أيام  مذ خطت أقدامنا المدينة حتى غادرناها ونحن نشعر وكأننا نمشي على صفحات التاريخ فكل حجر هناك يحفظ حكاية من حكايا ألف ليلة وليلة وكل قوس يهمس بسر من أسرار الدولة العلوية فقد كانت مكناس عاصمة المولى إسماعيل السلطان الذي جعل منها درة المدن المغربية فزينها بالأسوار الضخمة والأبواب العظيمة التي لا تزال شاهدة على طموحه الملكي ومن بين تلك التحف المعمارية يبرز باب منصور العلج الذي يقف شامخا كأنّه حارس أبدي على بوابة التاريخ ..يتبع

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :