الفوضى الرقمية بين حرية التعبير وضرورة الضبط القانوني

الفوضى الرقمية بين حرية التعبير وضرورة الضبط القانوني

جهاد النفاتي.

أصدرت قبل أسابيع  المحكمة الاقتصادية في مصر حكماً بالحبس ستة أشهر و غرامة 100 ألف جنيه مصري ضد صانعة المحتوى ( أم سجدة )  بعد إدانتها بتقديم محتوى خادش ومخالف للقيم الأسرية.

هذا الحكم كان رسالة سياسية قانونية مفادها أن الدولة حين تريد تنظيم الفضاء الرقمي تستطيع أن تفعل وعندما تقرر فهي قادرة على ضبط المحتوى وإيقاف الانفلات الأخلاقي عبر أدواتها  التشريعية والقضائية.

هذه الواقعة تفتح باباً أكبر للنقاش حول موقعنا كدول عربية من ( ضبط الفضاء الرقمي ) خصوصاً  ونحن نشهد كيف أصبح المحتوى التافه والمنحل فاعلاً مؤثراً في ترسيخ قيم وأنماط تفكير جديدة لدى الجمهور وصناعة أجيال وفق منطق التفاهة والانفلات دون أي تدخل رقابي أو مسؤولية مجتمعية.

في ليبيا لا يزال المشهد مختلفاً  تماماً ورغم أن قانون الجرائم الإلكترونية صدر فعلياً خلال السنوات الماضية إلا أنه جاء و كما يصفه كثيرون (قانون حماية للمسؤولين عند انكشاف تجاوزاتهم ) أكثر من كونه قانوناً  لصون المجتمع أو حماية قيمه العامة.

حيث أننا لم نرَ تطبيقاً رادعاً على المحتوى الخادش أو المحرّض أو المبتز بينما تحرك النص القانوني حين أصبحت الفضائح تطال أصحاب النفوذ.

واقعة ( أم سجدة ) تحمل ثلاث رسائل جوهرية:

الأولى، أن القانون قادر على كبح الفوضى الرقمية

حيث لم تعد حجة حرية التعبير غطاء لمن يريد تحويل المنصات إلى ساحات انحلال أو ابتذال أو استغلال.

الثانية، هي أن الرقابة ليست أخلاقية فقط بل قانونية مُلزِمة وتنظيم المحتوى الرقمي أصبح مسألة سيادية تهدف لحماية القيم والمجتمع كما يُحمى الأمن والاقتصاد.

أما الرسالة الثالثة، هي أن الجمهور شريك في الفوضى أو الضبط عن طريق المتابعات والإعجابات وإعادة النشر و هي ما يصنع قيمة المخالفين أو يسقطها.

و هنا يأتي السؤال الأهم: أين نحن كليبيين من هذا؟

بينما تتخذ دول أخرى مساراً  قانونياً واضحاً لضبط المحتوى الرقمي يظل المشهد الليبي يعاني من غياب تشريع رقمي حديث يواكب تطورات الجرائم الإلكترونية والمحتوى الخادش والتحريض والكراهية. كما يعاني عامة من ضعف آليات الرصد والمتابعة والمساءلة للمحتوى المسيء.

كذلك انتشار صفحات ومنصات تكرس خطاب الابتذال والكراهية دون أي ردع. حيث استخدام الإعلام الرقمي في التسخين السياسي والاجتماعي بدلاً من البناء والتنوير.

إذا لم ننتقل من مرحلة التساهل إلى مرحلة التنظيم و لم تبادر الدولة والمؤسسات التشريعية لضبط هذا التخبط فإننا سنصل إلى نقطة يصبح فيها إصلاح الفوضى أصعب من منعها وسنستيقظ لاحقاً  عندما تصبح الفوضى قاعدة لا استثناء.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :