بقلم :: عبد الرحمن جماعة
هذه المرة اسمحوا لي أن أتحدث عن أمرٍ طالما ترددت في الحديث عنه، وسبب ترددي هو أنه قد يُغضب بعض أصدقائي على هذا الفضاء الأزرق (الفيسبوك).
وصدقوني إنني ما كتبت شيئاً إلا ورجوت أن أكون مصيباً محقاً، إلا في هذه المقالة فإنني أتمنى أن يكون تغميسي خارج نطاق الطبيخ وحدود القصعة، وأن تكون رميتي بمنأى عن جسد الرميَّة، وسهمي بعيداً عن كبد الحقيقة وطحالها.
أعرف أيها القارئ الكريم أنك تنتظر الزبدة.
وأعرف أنني أكثرت المخض.
لكنني أرجو ألا يكون مخضي في ماء، وألا تكون مقدمتي السابقة هي مناحة في جنازة فأر، وألا يقول لي أحدكم: “تباً لك.. ألهذا جمعتنا؟!”.
لذلك دعوني أدخل في صلب الموضوع، وأبدأ من الأخير، وأغرف من قعر الإناء.
الموضوع بإيجاز – وإن كان قد سبقه بعض الإطناب -، وباختصار – وإن كان مشوباً ببعض الإطالة – هو كتابة الأسماء بالأحرف اللاتينية على مواقع التواصل الاجتماعي.
قبل أن أبدأ الحديث أحببت أن أشكر السيد (مارك) الذي احترم كل اللغات، ووفر لي ولك وللجميع إمكانية كتابة أسمائنا بحروف لغاتنا حتى ولو كانت رطانة بعض القبائل الإفريقية، شرط أن يكون لها حرف يُكتب!
لا أريد أن أزعم بأن كتابتك لاسمك بالأحرف اللاتينية،وترككلحروف لغتك الرشيقة الأنيقة هو نوع من الاستلاب، لأنني ببساطة لا أفهم في علم النفس.
خاصة وأن كلمة استلاب نفسها التقيتها قبل أيام بالصدفة، دون أن أدرك معناها، ودون أن أعرف أنواع الاستلاب وأسبابه وتأثيراته!
ولا أريد أن أتورط في تعميم حُكم واحد على كل من كتب اسمه بغير حروف لغته، لأنني أعرف أن لكل واحد منهم حالته وأسبابه ومبرراته التي ليست بالضرورة أن تكون متطابقة أو متقاربة أو متشابهة مع غيرها!
لكنني أريد أن أقول شيئاً واحداً، وهو أن كتابة اسمك بغير أحرف لغتك لا يُعطي انطباعاً لدى أصدقائك وقرائك ومتابعيك بأنك ترطن بتلك اللغة.
ولا يدل على قدراتك الذهنية، أو مكانتك العلمية، أو مواهبك الربانية، لأن كتابة اسمك بأي لغة – حتى لو كانت اللغة الهيروغليفية – هو أمر سهل يسير.
عرفت هذه السهولة حين رأيت ابنتي (Raghad) تكتب اسمها بالأحرف اللاتينية وهي في الصف الأول الابتدائي.
كنت أتمنى أن أجد جانباً فنياً أو تقنياً يبرر تجاوزكلأحرف لغتك إلى غيرها.
وكنت أرجو أن أجد معنى أو قيمة إضافية في ذلك.
وكنت آمل أن أعثر بالصدفة أو بالبحث على شخص من أوربا يكتب اسمه بأحرف عربية على صفحته في الفيسبوك أو تويتر.. لكنني لم أجد!
كل ما وجدته هو أنني أخطأت ذات مرة في تهجي اسم صديق على الفيسبوك اسمه علاء، كنت أظنه آلاء، فأرهقت نفسي زمناً في الثناء على نصوصه وكتاباته التي لم تكن جديرة بالمدح والثناء لولا الفخ اللاتيني الذي وقعت فيه!
أخي الفيسبوكي..
كم هو منظري قبيحاً وأنا أتهجأ اسمك (كالد) أو (موستافا) أو (فاتيما) أو (كاديجا) أو (أبدواللاتيف)!
وكم هو منظرك جميلاً حين تعتز بلغتك وهويتك وذاتك، فإن لغتك وإن كانت قاصرة عن مجاراة العلوم، واللحاق بتطور التقنيات، ومواكبة الجديد من الاختراعات والابتكارات، إلا أنها ليست عاجزة عن كتابة اسمك، حتى ولو كان اسمك (شبردق) أو (حنسليك) أو (تأبط شراً)!
صديقي الرقمي..
إن الجنازة التي أقمتها ليست لفأر، وإن كان الفأر عنوانها.
وإن الاستلاب الذي لا أفقه فيه – إن وجد – فإن ما ذكرته ما هو إلا مظهر من مظاهره، وعرض من أعراضه، وإن رأس الجبل الجليدي لا ينبئ عن حجمه، وإن الأكمة لا توشي بما خلفها.
فلا يُغضبك نبشي، ولا تُحرجك صراحتي، ولا تنزعج من مقالتي، فلعلي أضع يدي على الداء الذي أشاركك فيه وأعيشه معك وأشعر به مثلك، فجميعنا مضروبون بنفس العصا.