بقلم :: سالم الهمالي
من أكثر الكلمات او المصطلحات التي شاع استخدامها في زمننا الحاضر، ليس محليا فقط، بل على مستوى العالم، وللاسف الشديد كثيرا ما كان ذلك للاسباب الخاطئة. حتى وقت قريب كان المصطلح مقيد الاستخدام، ومحصور في الاتجاهين ( المفتي والمفتى له)، حتى تلقفه الجهلة والمتنطعين الذين أساؤوا تناوله، فجعلوا منه ( رخصة) تبيح ازهاق الأرواح وسفك الدماء، ليس على الظنون والشبهات فقط، بل تعدوا ذلك الى ما هو اشنع وأفظع، بالأذن في تكفير المجتمعات و ( تشريع) القتل الجماعي، بحجة اذا ذلك هو ما امر به الله سبحانه وتعالى او ما يرضيه من افعال، في حين ان الحقيقة هي ان ذلك هو عين الضلال والباطل، وما يغضب الله ويهز عرش الرحمن.
الامام الخميني، مرشد الثورة الإيرانية التى شرّع قتل الآلاف من الإيرانيين اولا، ثم مئات الآلاف من العراقيين في حرب الخليج الاولى، اكتسب شهرة عالمية واسعة، ليس لما سبق في هذا الشأن، بل لفتواه بإباحة قتل الكاتب الانجليزي من أصول هندية سلمان رشدي عن كتابه ” الآيات الشيطانية”. تلك الفتوى فتحت المجال واسعا، لمن انتهجوا سيرته في اباحة الاقتتال بين المسلمين بعد ان فرقتهم السياسة، مستخدمين الدين ” وسيلة” للوصول الى غاياتهم بالتنكيل بالمخالفين وازاحتهم من على ظهر البسيطة. هذا التفكير ” النشاز والشاذ” هو سمة القرن العشرين، لكن جذوره ضاربة في اعماق التاريخ لقرون، وثمار أشجاره تلقي أكلها علينا في كل مكان اليوم.
القتل ( ازهاق الروح)، تلك الجريمة المنكرة، حرمها الله تعالى تحريما قطعيا إلا ( بالحق)، الذي لم يتركه لعامة الناس او حتى خواصهم، بل للحاكم ( ولي الامر)، وفق قواعد شرعية قضائية تتوفر فيها كافة شروط التقاضي. ولا يوجد ما يشير الى ان ذلك يمكن إباحته بالطريقة التى نراها الان باي حال من الأحوال، عبر القنوات الفضائية، وكأن تلك الجرائم البشعة اصبحت وسيلة للتسلية واللعب. هذه المصيبة، التى تعاني منها مجتمعاتنا، استفحلت حتى راينا من يعيش في بلاد الواق الواق يفتي لإزهاق ارواح في مجتمع لم يعيش فيه ولا يدري ما يجرى على ارض الواقع من تحاسد وتباغض على نعيم الدنيا ومتاعها. ومن العلامات الدالة على انحراف هذا الفكر وسقمه، ان من يتداولونه تجرّؤوا على اصعب الأحكام القضائية والشرعية، وصاروا يمضغونها (كالعلكة)، حتى سمعت مواطنا يتصل بقناة فضائية يطلب منهم فتوى لإزهاق روح شخصية اعتبارية على الهواء مباشرة، بدون ان يلاقي اي نوع من انواع الشجب او الإنكار على طلبة الآثم.
ما احرانا اليوم ان نراجع هذا الخلل الكبير في المفاهيم، الذي فتح علينا أبواب الجحيم، تاركا العنان الى تفشي الفاحشة والجريمة بإسم الدين، والدين الحنيف منه برآء، بالعودة الى الفهم الواعي لديننا وما فيه من تعاليم واحكام تضبط الحياة على الصراط المستقيم والمنهج السليم …