لقاء :: عثمان البوسيفي
الدستور لفط كبير لا حدّ له رافق صياغة الدستور الليبي في بلد ظل لمدة تربو عن أربعين عاماَ دون دستور ينظم حياة الناس في رقعة جغرافية واسعة أسمها ليبيا الأماني كانت كبيرة لكنها سرعان ما اندثرت حين شكلت لجنة صياغة الدستور رغم أن بعض الأصوات نادت باختيار دستور 51 أو الدستور المعدل في 61 لكن كل تلك الأصوات لم تجد من يهتم بها وأصدر المؤتمر الوطني حينها قراراً بانتخاب لجنة الستين التي ظلت ناقصة لغياب مكون الأمازيغ وصارت 58 . الحديث عن الدستور مثل الحديث عن الجيش والشرطة له من الأهمية الكثير .
فسانيا التقت في طرابلس الدكتور الجيلاني ارحومة رئيس هيئة صياغة الدستور المكلف للحديث عن بعض النقاط المهمة والسؤال عن متى يكون الدستور مطروحا للاستفتاء ولعله يكون حجر أساس لبناء دولة حديثة قائمة على المواطنة .
سألته في البداية أين الدستور ؟
اجابني قائلا إننا بدأنا العمل في 21\4\2014 في مقر الهيئة بمدينة البيضاء من أجل صياغة دستور يلبي طموحات الشعب الليبي في الحرية والتنمية والتداول السلمي على السلطة وترسيخ مفهوم حقوق الإنسان .
وأضاف قائلا إن المهمة لم تكن سهلة لأن ما ننجزه هو وثيقة يجب أن يجمع عليها الليبيون بناء على طلب الشعب الليبي الذي انتخب الهيئة والتي سوف يحتكم إليها لحل جميع الإشكاليات المتعلقة ببناء الدولة على أسس سليمة وهذا تطلب من الهيئة التواصل مع كل مكونات الشعب الليبي وبكافه شرائحه وأطيافه وفي كل المدن والقرى التي تمكنت الهيئة من الوصول إليها والاستماع للكل دون إقصاء .
وكذلك التواصل مع الخبراء في الداخل والخارج في المجال الدستوري والاطلاع على تجارب العالم بما في ذلك تجربة ليبيا في عام 1951م والمعدل في 1961م بالإضافة إلى مراعاة خصوصية ليبيا وقد تمكنا بفضل الله من إقرار الهيئة لمشروع الدستور في 29\7\2017م بموافقة 43 عضواً من 44 حضروا جلسة التصويت وهي نسبة تفوق الاشتراطات الواردة في الإعلان الدستوري . وأشار قائلا لا أخفيك أن الهيئة اشتغلت في ظروف صعبة وكانت تزداد صعوبة في كل يوم وذلك بسبب الانقسام السياسي في ليبيا والوضع الأمني الهش وحصول الاشتباكات بين الحين والآخر والتى كانت تعيق اللقاء في مدينة البيضاء وما يترتب عن ذلك من تأجيل الجلسات إضافة إلى إغلاق المطارات بين الحين والآخر ولايمكن عقد الجلسات الصحيحة وهو حضور النصاب 41 على الأقل وإن أقصى عدد وصلت إليه الهيئة هو 57 عضواً .
وعن اللقاء بالمطالبين بالفيدرالية التقينا بهم واستمعنا لهم كما استمعنا لكل الأطراف وكنا في الهيئة نستمع للكل ونسمع آراء الكل والتواصل مع المختصين في كل المجالات حتى يكون النص معبرا عنهم بدقة دون الإخلال بالمضامين وأكد أن هذا المشروع خاضع للاستفتاء ورغبة الليبيين هي الأساس وحاولنا تجسيد كل الرغبات في هذا المشروع .
سألته عن أن البعض يقول إن هذه المسودة ضعيفة ؟
أجابني أنهم قالوا معيبة وكارثية وتؤدي إلى حرب أهلية وأنت بوصفك لها بالضعيفة كلامك معقول وما قيل لنا عنها أشد لكنهم في نفس الوقت لم يحددوا كيف هي معيبة وكارثية رغم أن الاستفتاء عليه يؤدي إلى انتخاب رئيس دولة محدد الاختصاصات ومحدد المدة ويؤدي إلى إعادة انتخاب سلطة تشريعية وصون حقوق الإنسان وينظم الحياة ويوضح كيفية تكوين السلطة التنفيذية ويجسد إعطاء الشرعية للجيش والشرطة وينفي الشرعية عن التشكيلات المسلحة التى هي خارج نطاق الدولة .
كما أن هذا المشروع يجسد فكرة العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات والمشروعات توزيعا عادلا ويحفظ حقوق مناطق الإنتاج ويكون جزءًا من عوائد الإنتاج لتلك المناطق وهذا كله يكفله الدستور .
وعن أن البعض يقول إن الدستور عبارة عن حبر على ورق لن ينفع في ظل الوضع الراهن ؟
أجابني السيد الجيلاني أن هذا الدستور أنتج كي يتحول إلى تطبيق والهيئة قامت بتجهيزه للعرض على الشعب الليبي وهو من يقول كلمته بالقبول أو بالرفض وأن الشعب هو مصدر السلطات وحين يوافق عليه يصير ملزماً وعلى كافة مؤسسات الدولة تطبيقه
كيف تعاملت الهيئة مع مقاطعة الأمازيغ ؟
منذ البداية اختاروا بإرادتهم عدم المشاركة في انتخابات لجنة الدستور وهم مكون أصيل من مكونات الشعب الليبي حاولت الهيئة بكل الطرق التواصل معهم في مرات عديدة من خلال الزيارة إلى مدنهم والاستماع إليهم وإلى آخر لحظة ونحن في تواصل معهم وهم رغم غيابهم نعتبرهم حاضرون وبالتالي كل ما جسد في هذا المشروع من حقوق وحريات فهو يعنيهم ويعتبر من حقوقهم باعتبار أنهم ليبيون وراعينا الخصوصية اللغوية والثقافية لهم ولغيرهم من المكونات في ليبيا واعتبرت جزءًا من تراث الشعب الليبي الذي نعتز به .
والهيئة اعتبرت أن اللغة العربية هي لغة الدولة واللغات الأخرى لغات وطنية معتبرة وستقوم اللسلطة التشريعية بإدخالها في المجالات العامة وأن هناك نصا آخر يحمي كل اللغات المتداولة في ليبيا وبالتأكيد منها اللغة الأمازيغية .
لماذا زارت الهيئة سلطنة عمان ؟
يجب التأكيد أن هذا المشروع وضع من هيئة منتخبة من الشعب الليبي دون أي ضغط ولا يعكس استجابة لأي ضغط رغم أننا سمعنا الكل أما بخصوص زيارة سلطنة عمان هو أن مكون التبو ومكون الطوارق في الهيئة قاطعا جلسات الهيئة ولرغبة الهيئة في الوصول إلى توافق معهم تم الاتفاق مع بعثة الأمم المتحدة أن يكون اللقاء خارج ليبيا وتم اختيار سلطنة عمان لأنها دولة غير جدلية في المشهد الليبي وقد تناقشنا وتوصلنا إلى توافق مع مكون الطوارق وانتهاء مقاطعتهم لجلسات الهيئة والتبو تم قبول بعض مقترحاتهم والبعض الآخر لم يكن ممكنا القبول بها مثل تسمية محافظات بعينها ونحن في الهيئة لمْ نسمِّ محافظات . وتظل مشاركتهم في الحياة السياسية مقبولة .
هل انتهت مهمتكم ؟
مهمتنا حاليا انتهت ونحن في انتظار الاستفتاء على الدستور وإن حصل على النسب المقررة في الإعلان الدستوري نحيله إلى البرلمان لوضعه موضع التنفيذ وإن لم يحصل على النسب المقررة يعود للهيئة لإجراء التعديلات اللازمة ومن ثم طرحه مرة أخرى للاستفتاء .
لماذا وضع شرط خمس سنوات لإجراء أي تعديل على الدستور ؟
لتجريبه والوقوف على تفاصيله ومعرفة نقاط ضعفه ولثبات الدستور وتظل الكلمة الفصل هي كلمة الليبين وأي تغيير أو قبول أورفض هو ملك لكل الليبيين وننتظر أن يقول الشعب الليبي كلمته في هذا الدستور وأن لايترك المجال للرأي الفردي أو الأصوات ذات المصلحة الخاصة إيقاف هذا الدستور وهو فرصة ثمينة لبناء دولة المؤسسات وعودة الاستقرار وقيام المصالحة الشاملة …