- عائشة موسى
يتسم بصعوبات الإثبات بالنسبة للقاضي والمدعي على حد سواء ، وترجع تلك الصعوبة في شق منها إلى الطبيعة الشخصية لعيب الانحراف بالسلطة المرتبطة بنية مصدر القرار والتي يصعب الكشف عنها وترجع في شقها الآخر إلى تشدد مجلس الدولة في قبول الانحراف وذلك لخطورة القضاء به على الثقة المفترض توافرها في الإدارة . وبرغم كل ذلك نرى أن صعوبة إثبات الانحراف بالسلطة هي صعوبة نسبية وليست مطلقة فإذا انجلت تلك الصعوبة فى إثبات الانحراف عن المصلحة العامة والانحراف عن القاعدة تخصيص الأهداف فإنها تتلاشى في إثبات الانحراف عن قاعدة تخصيص الأهداف حيث يستند الإثبات في الحالة الأولى إلى اعتبارات شخصية أما فى الحالة الأخيرة فإنه يرتبط باعتبارات موضوعية . وبالرغم تلك الصعوبة فإنه يتعين على القاضي أن يبذل قصارى جهده في الكشف عن انحراف الإدارة بسلطتها لما يمثله من اعتداء صارخ على مبدأ المشروعية وكثيراً ما تلجأ إليه الإدارة لخفائه وصعوبة إثباته في كشف القضاء له وإلغائه لقراراتها المشوبة به تأنيب لها قد يدفعها إلى الإحجام عن هذا السلوك . عبء إثبات الانحراف في استعمال السلطة: لم تضع النصوص القانونية حكماً بشأن عبء الإثبات أمام القاضي الإداري على خلاف الحال بالنسبة لعبء الإثبات أمام القاضي العادي حيث أشارت النصوص إلى أن عبء الإثبات أمامه يقع على عاتق المدعي . موقف الفقه من عبء إثبات الانحراف بالسلطة . استقر الفقه الإداري على إلقاء عبء إثبات الانحراف بالسلطة على عاتق المدعي حيث يقع عليه إثبات استهداف الإدارة بقرارها هدفاً بعيداًَ عن المصلحة العامة أو مغايراً للهدف المخصص لإصدار القرار . والمدعي يمكنه إقامة الدليل بأية وسيلة إذ تساوت جميع الأدلة فى المرتبة أمام القضاء الإداري والمدعي هو من يصدر عنه الادعاء أمام القضاء . وعندما يدفع المدعي عليه بدفوع معينة فإنه يصبح مدعياً فى هذا الدفع وعليه بالتالي عبء إثباته. ومعنى القول إن ما يقع على المدعي عبء إثباته هو ما يدعيه (( هو )) أما ما تدعيه الإدارة باعتبارها طرفا في الدعوى أثناء سيرها فإن عليها وحدها يقع عبء إثباته . وتقرر الشريعة الإسلامية ذات القاعدة ” إذ تلقي بعبء الإثبات على عاتق المدعي إلا أنها لا تكتفي من المدعي عليه بالإنكار بل تتطلب منه أن يعزز إنكاره باليمين . ولذا نرى أن الاتجاه الذي يرى إلغاء عبء الإثبات في الدعاوي الإدارية على عاتق المدعي يتسم بتسمية مع المنطق القانوني السليم فمن يدعي أمراً عليه إثباته . موقف القضاء من عبء إثبات عيب الانحراف بالسلطة : أيد قضاء مجلس الدولة المصري والفرنسي مبدأ إلغاء عبء إثبات عيب الانحراف بالسلطة على عاتق مدعيه حيث ذهبت المحكمة الإدارية العليا إلى أن الانحراف بالسلطة من العيوب القصدية في السلوك الإداري وقوامه واتجاه إدارة صاحب الاختصاص إلى الانحراف به لغير تحقيق الصالح العام … وكل هذه المعطيات تؤكد إلغاء عبء الإثبات على عاتق المدعي كأصل عام وعلى أساس تمتع القرار الإداري بقرينة الصحة فإذا نجح المدعي في تقديم ما يشكك به فى هذه القرينه المفترض توافراها في قرارات الإدارة أو إذا نكلت الإدارة عن إيداع ماتطلبه المحكمة من مستندات تراها حاسمة للفصل فيها انتقل عبء الإثبات إلى عاتقها حيث يكون عليها فى حالة إثبات مشروعية قرارها وهذا يعني أن قرينة صحة القرارات الإدارية ليست مطلقة بل قابله لإثبات العكس .