- المهدي يوسف كاجيجي
كيف يفكر الاخر !
مستر جونسون، انجليزى، دخل طرابلس مع الجيش البريطانى, فى نهاية الأربعينات ، ووقع فى هوى المدينة . بعد الاستقلال, حصل على وظيفة مديرا لسينما لوكس , الواقعة فى شارع الوادى , ومن لا يعرف شارع الوادى المتفرع من ميدان الشهداء ؟ ، كان به اشهر ” مصوراتى ” وهو براقوني الإيطالي، وأشهر محل حلاقة للمرحوم عبدالغني زقلام، ملتقى أعيان المدينة، ومركز تبادل للأخبار الاجتماعية, والنميمة السياسية فى العاصمة طرابلس.مكتبة الفرجانى، مركز الإشعاع الثقافي فى المدينة ، يتوسطه جنان النوار, وفى نهايته تقع مقبرة الصحابى الجليل سيدى منيذر، اقدم مقبرة فى المدينة، ومثوى رفات مشاهيرها ورموزها،أغنيائها وفقرائها. مستر جونسون، حصل على سكن فى شارع النصر، امام مكاتب جريدتنا وقتها ( الحرية )، وهنا كان التعارف بيننا وبينه. فى احدى الايام، تعطلت سيارته، وكان فى طريقه إلى المطار، فعرضت عليه المساعدة قال لى بالانجليزية: شكرًا جزيلا. فأجبته بلغة انجليزية مركبة كلماتها بتفكير عربي من اليمين الى الشمال : يا مستر جونسون .. لو أنا ما وصلتكش .. من غيرى حيوصلك ؟. أجاب. على الفور: نأخذ تاكسي !! . صدمنى الرد، ولم أستوعبه الا بعد سنوات طويلة من الغربة عشتها فى بلاد تفكر من الشمال الى اليمين.
�الطريق الى مالطا
تذكرت حكايتى مع مستر جونسون، وانا أتابع الأخبار , عن رحلات مكوكية بين ليبيا ومالطا، يقوم بها معظم اللاعبين فى المشهد السياسى الليبى، ملتحيهم وأمردهم ، ثوارهم وازلامهم، بدون استثناء، للاجتماع وتبادل الرأي مع السيدة السفيرة الامريكية لدى ليبيا، والتى اتخذت من مالطا مقرا لها،لمتابعة الشأن الليبي.الزيارات أيضاً شملت عدد من الدول اضافة الى دول الجوار العربي والأفريقي. لنتفق من البداية، اننا لا نفترض نظرية الخيانة والمؤامرة، بل نفترض حسن النية وان هدف كل واحد منهم هو شرح وجهة نظره، وجمع التأييد لها.ولكن قبل ذلك علينا أن نعلم مسبقا ماهو المقابل المدفوع ؟، ومن اين سيدفع ؟، فطالب الدعم والتأييد والمساندة عليه ان يقدم للمطلوب منه المقابل، واصدقاؤنا، الذين يفكرون من الشمال لليمين، واضحون فى التعامل،”ليس لديهم صداقات دائمة.. ولا عدوات دائمة.. بل لديهم مصالح دائمة “وهو تفكير مخالف تماماً لتفكيرنا، إذن هناك ثمن مدفوع مقابل للدعم والتأييد، ولكن من يملك الأذن بالدفع ؟ , وماهو الثمن المدفوع ؟ ، وأيا كانت قيمته، فسيتم اقتطاعه من جسم وطن مريض، يعيش حالة من التشرذم والاحتضار ، وفى الغالب فإن الثمن سيكون فادحا، سيشارك فى دفعه اجيال قادمة.
التحالف والعمالة !
يقول كاتب سياسى معاصر ، الغرب المتمثل فى أمريكا وأوروبا لا حليف له سوى إسرائيل ، والبقية يتم تصنيفها تحت بند علاقات مصالح او عملاء . وليتذكر جماعة التفكير من اليمين إلى الشمال ” ان اصحاب التفكير من الشمال لليمين ، لاقلب لهم ، والعلاقات تستمر باستمرار المصلحة، شاه ايران كان ابن الغرب المدلل، وصاحب عرش الطاووس ، عندما انتهى دوره، تسللت طائرته على ممر مظلم ، وانطلقت تجوب مطارات العالم ،تبحث له عن تأشيرة دخول و قبر يدفن فيه، ولم يرحمه سوى رئيس من بلد يفكر من اليمين الى الشمال . صدام حسين ، بلع الطعم الأمريكى بغزو الكويت ، وانتهى به الحال فى مشهد بائس وهم يسحبونه من حفرة على مشارف بغداد كشكارة قمامة. معمر القذافى انحنوا وقبلوا يديه على الملآ، وعندما انتهوا منه تركوه لمصيره التعس.والحكايات كثيرة لا تنتهى.
أفيقوا يرحمكم الله
ايها السادة إن الصراع على السلطة أوصلنا الى مرحلة من الجنون، فقدنا فيها العقل، وسيطرت علينا عين الغنيمة ، و اعمانا الطمع ، وفقدنا البصر والبصيرة . العالم اصبح قرية واحدة، يتبادل سكانه المصالح فيما بينهم، كل حسب إمكانياته، من خلال مقايضات عادلة،عبر قنوات شرعية، تتحكم فى إدارتها قوانين ولوائح فى إطار واضح من الشفافية المطلقة ، هذه هى قوانين اللعبة ، ولكن ان تتم المقامرة على مقدرات وطن كامل وحق اجياله القادمة فى حياة افضل ، وان تتم المقايضة بثمن بخس ، مقابل طموحات سياسية ، لعناصر لا ترى فى الوطن سوى غنيمة ، فهذا والله جريمة ، لن يغفرها التاريخ ،افيقوا قبل ان تلعنكم الأجيال القادمة.
* هذا الموضوع سبق وأن تم نشره على صفحات ليبيا المستقبل بتاريخ 15 سبتمبر 2014 ،يعاد نشره كرسالة للتذكير موجهة إلى كل القوي المتصارعة فى المشهد الليبي ،دون استثناء.