- صالح حصن
ملامسة للمنطقة الضبابية بين العِلمي والأدبي ؛ {جزء1 من 3 }.
مداري السرطان والجدي وما حولهما كانا موطن الإنسان الأساسي الملائم لخلقته الطبيعية، حيث المناخ مؤاتي لعيشه وتكاثره دون مخاطر كبيرة تؤدي لانقراضه, لكن فضوله المعرفي وطبعه الاستكشافي المُغامٍر دفع به خارج محيطه حيث المناخ والحياة أكثر قسوة ما اضطره لأقلمة نمط عيشه وتكييف محيطه الملاصق له ليلائم حياته واحتياجاته، فكان أن اخترع المأوى والكِساء والزراعة وتخزين القوت وغير ذلك حتى إذا ما تباعد أكثر زاد من اختراعاته حتى كانت التدفئة واختراع العجلة فركوب العربات ثم شق الطرق وبناء المراكب والمعابر المائية و هلم جرا إلى أن صرنا على ما نحن عليه اليوم من استخدام الطيران والبواخر والمركبات الفضائية والاقمار الاصطناعية والراديو والتلفزة والموبايلات و لنقِس على ذلك بكل ما نراه حولنا. استغرق ذلك زمناً وكل كوكبة أجيال كانت تتأقلم مع ما يصير عند أوائلها جديداً إلى أن يصبح اعتيادياً عند أواخرها وعندما تظهر وسائل أقلمه جديدة مُبتكره يخشاها اولاْك الأحياء من أواخر الجيل السابق بينما يحتفي بها أوائل جيل لاحق لهم فيتآلف معها لتصبح عنده اعتيادية بل و ضرورية لا يمكن العيش بدونها. وتستمر حياة الإنسان في هكذا دورة متعاقبة الثمرات ومُختلفة الألوان.
كل أدوات أقلمه جديدة تلازمها سلوكيات جديدة وتتبدل معها أنماط عيش الفرد والأسرة والمُجتمع بل والمجتمعات البشرية كلها, وترتسم على ضوئها علاقات جديدة تكون في أولها مُستهجنة, مُستقبحة وغير مقبولة ثم تتحول إلى ما لا يُنفر ولا يُستهجن ويُستقبح إلا ما يكون مخالفاً لها. (فسبحانك ربي يا من بيده الأمر فيُغير ولا يتغير).
أما عن جيلنا نحن الذين على سطحها اليوم فتواجدنا على قمة هرم التطورات البشرية ومن طبيعة شكل هذا الهرم ازدياد حدة نموه بدرجة ميول مدببة فكلما مر زمن قليل كان صعوده كبيراً وكأنه يُسابق بسرعته قدرة البشر على تذكر ما كانوا عليه قبل أيام قليلة, بينما كان مع سابق الأجيال أبطأ نمواً وأكثر سماحة بما يمنحهم فرص أكبر لتأمل التغير و فهم مرافقاته ومردوداته. إذاً فما عاد الزمن صبوراً معنا كما كان مع من كانوا قبلنا.
المراحل الأولى لرحلة المعرفة:
نعرف أن “سقراط” فيلسوف مدينة “أثينا” اليونانية بحسب ما وصلنا من تدوينات تلامذته الفلاسفة, أمثال “افلاطون” ورفيقه “أرسطو” الذي صارت تصوراته المُرتكز الأساس لمفهومنا الحديث عن المادة والذرة وقوانين الحركة بحسب ما طوره الفلاسفة اللاحقين له من أمثال “جاليليو” و “ابن سينا” و “الفارابي” و “أرخميدس” و “جاليليو” و “إسحاق نيوتن” الذي لملم فحوصل كل المفاهيم التي كانت مطروحة قبله ونقّاها وحوّل صياغتها من إسهامات لغوية عائمة إلى صياغات كَمّية محددة ومعادلات رياضياتية متكاملة يمكن بمعالجتها معرفة وحساب الخواتيم والنتائج قبل خوض غمار الفعل انطلاقاً من الأوضاع والظروف الآنية المؤثرة.
كما أبتكر “نيوتن” علماً خاصاً في مجال الرياضيات لحساب وتدوين مراحل ما يكون غير ممكن تتبع تغيراته بالمدركات والاستنباطات التخيلية الخالصة وهو علم “التفاضل والتكامل”. نشر “اسحاق نيوتن” كتبه حول المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية (علم الفيزياء والحركة) خلال النصف الثاني من القرن السابع عشر.
ومما تجدر الإشارة إليه أنه كان حينها في مثل وضعنا اليوم حيث كان يعمل من بيته تطبيقاً للحجر الصحي المفروض لمقاومة وباء “الطاعون” فقد تحصل على درجة البكالوريوس و تقدم لنيل درجة الماجستير لكن الجامعة أغلقت أبوابها تطبيقاً لنظام الحجر الصحي.
كما يقولون عن “سقراط” أنه أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض نقول عن “نيوتن” أنه حرر الفكر الفلسفي من سجنه داخل أذهان الفلاسفة إلى دفاتر العُلماء وحسابات المهندسين والحِرفيين. و كالعادة فبعد مُعارضات شديدة من العُلماء قَبْل العوام لأفكاره حاملة التغيرات الكبيرة في مجال المَعرفة وذلك ما لم يعد مُستغرباً من يوم أن حكمت محكمة أثينا “الديموقراطية” بإعدام أبو الفلسفة ” سقراط” عام 399 ق م. فمن جاء بعد “سقراط” لن يكون استثناءً. لاحقاً حضت قوانين “نيوتن” بقبول علمي وتبجيل حتى سادت المناخ العلمي واتسعت تطبيقاتها لتشمل كل علوم الطبيعة و تكرست فلسفة جديدة عُرِفَت باسم “الحتمية – السببية” أي أن كل ما يحدث في الكون يكون ناتج عن أسباب فيزيائية أدت إليه وانقسم الفلاسفة بن المؤمنين بها والرافضين لها ولكلٍ حججه وبراهينه, إلى أن ……