حاورها :: سالم الحريك
تُسافر عبر الزمن بواسطة القراءة وصنعت من أصابعها بوصلة لتأخذها إلى طريق تكتشف فيه ذاتها والعالم.
الكتابة بالنسبة لها لعبة تجريدية لعبتها لإشباع غريزة القلق وابعاد نظره عنها.
عاشت العديد من التجارب واللحظات وتشبعت بالآمها وتعلمت الكثير من الدروس في وقت مبكر فما كان لقلمها إلا أن ينزف حبره وهي على رصيف العشرين من العمر لتُصدر ديوانها الأول بعنوان “أنا وأنت والكثير الكثير من الدهشة”
حوارنا مع ابنة الرافدين الكاتبة العراقية سما حسين.
بداية من هي سما حسين وكيف تقدمين نفسك للقراء الكرام؟
سما حسين ولدت في بغداد سنة 2000 وادرس في كلية الصيدلة، اكتب في صحيفة عدسة الفن مقالات تخص الأدب ، أسافر عبر الزمن بواسطة القراءة ، صنعت من أصابعي بوصلة لتأخذني إلى طريق اكتشف به نفسي والعالم، فأشارت إلى الكتابة وها انا اكتب على الحافة.
حدثينا سما عن بداياتك مع القراءة.
وما أبرز قراءاتك؟
لقد بدأت القراءة منذ بدأت بتعلم الحروف، وكانت القصص والمجلات بمثابة تدريب اضافي على التعلم وسريعا ما استهوتني القراءة والمواد التي تعني بالأدب كالانشاء والتعبير وشدتني اكثر من غيرها حتى صار لدي مكتبة مليئة بالقصص والمجلات وحتى الجرائد.
إضافة إلى ذلك فلقد عشت طفولتي في محطات كثيرة ومع اشخاص مختلفون ، وكل بيت عشت فيه كان يحتوي على مكتبة تختلف عن سابقتها مما اكسبني تنوع كبير في القراءة وهكذا حتى كبرت وبدأت بتأسيس مكتبتي الخاصة.
ويبقى الفضل الاكبر لمكتبة والدي، حيث منها بدأ الشغف الاكثر رسوخا ابرز قراءاتي والتي شكلت ذائقتي الادبية كانت في الأدب الروسي واضع انطون تشيخوف وتولستوي في المقدمة.
وتأثرت بشعر مظفر النواب، وفي المسرح تأثرت بسارة كين والباقي قراءات متنوعة ولكل كتاب اهميته.
كما يقال لن تكتب حتى تقرأ وبعد أن تشبعتي بالقراءة.
ما اللحظة التي قررتي فيها فعليا البدء بالكتابة؟
رغم ان المقولة فيها نوع من الصحة، إلا اني امتلك رأي آخر فبحسب تجربتي وجدت ان الكتابة والقراءة عمليتين مختلفتين يتم ممارستهما في نفس المنطقة وليستا شيء مكمل للآخر بالضرورة ، الا انهما مثل جدولين يتحركان نحو مصب واحد تماما مثل عملية الأكل والشرب كلاهما يؤديان وظيفة امداد الجسم بالمواد الغذائية ولكن لكل منهما وظيفة.
اما بالنسبة للكتابة فهي مثل حفرة وقعت فيها صدفة، صدفة مصغرة للصدف الكونية، غير مبررة ومفككة وجدت ان من واجبي أن ألمها فحسب لأحظى بمنظر وجودي هادئ.
انها امتداد لفكرة انتاج الكون نفسه و فرع صغير من تدفق نهر العالم.
الكتابة بالنسبة لي لعبة تجريدية لعبتها لإشباع غريزة القلق وابعاد نظره عني.
هل لديك طقوس خاصة لكل من عمليتي القراءة أو الكتابة؟
بالنسبة للقراءة، غالبا ما احب قراءة الليل
وعندما اصاب بعسر القراءة نتيجة الظروف اخرج لابتياع الكتب وزيارة المكتبات فهي تجدد فيّ النشاط وغير هذا لا امتلك طقوس اخرى.
اما بالنسبة للكتابة فالطقوس تعتبر مرحلة تحضير، وانا لا اتحضر للكتابة غالبا، بل اكتب متى ما شعرت اني يجب ان اسعل شيء واخرجه من صدري.
قد اكتب وانا استعد للنوم، في الباص، في طابور، في قاعة الدراسة، وهكذا.
“أتدري ثقل أن يكون المرء كاتباً”
سرقت هذه من بين السطور اسمحي لي أن أنسج منها سؤالاً.
تجمعين بين ثقل الكتابة وثقل أنك تكتبين في عمر مبكر ربما كيف تصفين ذلك؟
لا اخفيك الأمر، دائما ما يتم توجيه هذا السؤال لي.
وانا اجد ان التجربة الانسانية والوجودية المكتوبة على كُل انسان لا تُحدد بالعمر واقصد هنا “بالمكتوب” هو كومة الخرائط والشوارع والارصفة التي تُشتق منها خريطة حياتنا حالما نولد ، والتي تشبه المتاهة غالبا، واجد “متاهة” وصف مناسب لحالة الفوضى والتراكمات المتوارثة التي نصطدم بها.
فهناك من يمرون باللحظة التي تقسم ظهر اقدارهم في طفولتهم، وهناك من يمرون بها في المراهقة، وربما في كهولتهم وهكذا دواليك.
وانا مررت بهذه اللحظة وتشبعت بالآمها وتعلمت دروسها في وقت مبكر جدا كان يجب ان اسميه “نعومة اظافري” لكنه في الواقع لم يكن إلا خشونة لهذه الاظافر فصرت اخدش الورق بواسطتها بعشوائية ثم بعدما اكتسبت اللغة، ووجدت ممر للتعبير و حولت هذه الخدوش لشيء مفهوم اكثر تطلقون عليه اسم “المفردات”
ربما انا اختلف عن من هم في سني بأني امتلك اداة للتعبير لا أكثر.
تصفين ديوانك الأول “انا وانت والكثير الكثير من الدهشة” بأنه أشبه بالصرخة الأولى.
هل لاقت هذه الصرخة آذان صاغية بنظرك، ومدى رضاك عنها؟
لقد مرت سنة تقريبا على صدور العمل ورغم انه مرّ بعقبات كثيرة في فترة صدوره وحتى الآن إلا ان هذا الكتاب الصغير اكسبني قلوب كبيرة، وهذا وحده كان مكسبا كبيرا لي.
فبواسطته تفاعل معي الاخرون وتفاعلت معهم، اي انه هدم بداخلي جدار صلب من العزلة المفروضة عليّ، فالكتاب حين يخرج من طاولة الكاتب إلى رف المكتبات فإنه يموت ولا يبقى إلا ان يقيم القارئ له جنازة لائقة وهذا ما حدث بالفعل، فكل شخص قرأه عزاني بصدوره بطريقة مهيبة حتى بت اشعر بأني شخص اناني نوعا ما، حين حزن الآخر حزني ذاته.
حدثينا قليلا عن الديوان قبل أن نتطرق إلى العقبات التي صاحبت فترة صدوره وحتى الآن؟
الديوان كتبته في عام 2018 و حتى 2019.
وجاء نتيجة تمرين كتابي قاسي كنت عازمة على خوضه بعد انتهاء دراستي في الثانوية و استمر لمدة سنة او اكثر من العزلة والتفرغ التام للكتابة المستمرة فكتبت خلالها الكثير من النصوص والقصص والقطع الكتابية المختلفة لاستخلص بعدها قصائد النثر لاني وجدتها الأكثر رصانة فيما كتبته، ووجدت بان هذا الجنس الادبي هو الصورة التي احب ان التقطها واطل بها على الساحة الأدبية.
كنت اعرض ما اكتبه في هذه الفترة على صديقتي المقربة وهي قارئة ايضا فوجدت فيها مشاريع نشر من بين كل ما كتبته سابقا.
وهذا ما شجعني لارسل العمل إلى كتاب وقراء اثق برأيهم فشدوا على يدي بدورهم ، ثم عرضته على دار النشر ووافقوا على عملية انتاجه.
ستخرجين من قبرك كقصيدة.
ستكونين ملفتة للأنظار.
و في نهاية الخاتمة تختمين بقول لأنني وبكل فخر أنجزت المهمة.
اي مهمة تلك لو أردنا أن نعرف ولو القليل ما خلف كل تلك الإشارات المنثورة في ختام القصيدة؟
لا اجد نفسي مضطرة لوضع سيرة ذاتية بعد النص توضح طبيعة الشعور الذي يحمله في رمزيته، ناهيك على كون الكاتب آخر من يتعرض لمسائلة كهذه فإني لو وضحت سأكون قد قتلت رمزيتي بعد ان عملت جاهدة لاجعلها حية ومرنة.
الكتابة تشبه الاحلام، مليئة بالرموز التي يصعب تأويلها وحتى لو تم التأويل بناء على وقائع في حياة المرء فان هذا التأويل غالبا ما يحمل عدة اوجه قد تكون كلها خاطئة.
ولكني سأجيبك على تفصيلة “انجزت المهمة” والتي كانت اخر اسطر الكتاب،
ما قصدته بها اني استطعت تحويل تجربة ما عشتها إلى كتابة وهذه المهمة عموما (استثمار التجارب كتابيا) هي اصعب ما يمر به كاتب مستجد.
يقودني هذا إلى سؤال لماذا القصيدة النثرية تحديدا كانت اختيارك لتكون أول ما يصدر لك.
هل لأنها قادرة على الحفاظ على رمزية الكاتب أم لأنها كانت القالب الأكثر نضجاً في كتاباتك؟
ارجح كلا الأمرين، واميل اكثر لكونها كتابة رمزية وغير مباشرة.
عندما تجتمع القصائد وتشكل ديوان واحد هل تعبرين على قضايا مختلفة ومتنوعة أم تركزين بشكل أكبر على قضية تكون هي الشاغل الأبرز لتفكيرك؟
حسب الوقت الذي تولد فيه القصائد ، احيانا اكتب قصائد عديدة لشرح تفصيلة واحدة اي اني احاول النظر لها من عدة زوايا وهكذا نصوص تأتي بتوقيت واحد يتزامن مع وقت خوض التجربة.
اما اذا امتدت المدة الزمنية بين الكتابة وعملية النشر ، فهذا سيتيح للكاتب فرصة خوض تجارب عديدة مما يعني نصوص وقضايا متنوعة.
ذكرتِ وجود عوائق عديدة ربما صاحبت إصدار الديوان وحتى الآن.
ما هي هذه العوائق وما تقييمك لتجربة النشر حتى الآن؟
العوائق التي تواجه اي كاتب شاب ينشر للمرة الأولى معروفة على الاغلب.
فالبعض يقع مع دار نشر غير مهنية ولا تتعامل معه ككاتب لصغر سنه وقلة تجربته، والبعض الآخر يكون اختياره للتوقيت خاطئ وينشر عمله باندفاعية ثم يندم على نشره فيما بعد.
على الشاب ان يدرك ان عملية النشر ليست مجرد إثبات هوية، بل هي اثبات وجودك الأدبي في ساحة مزدحمة بالمواهب الحقيقية.
وبعض الشباب قد يرتطمون ببيئة اسرية و اجتماعية غير داعمة لمسألة كهذه، خاصة بالنسبة للانثى في مجتمعاتنا الشرقية فعملية النشر قد تحتاج ظهور اعلامي مثلا وربما يكون للكاتبة نصيب من الشهرة التي يرفضها المجتمع.
اما بالنسبة لي فسنة 2020 برمتها اوقفت اغلب وربما كل المشاريع بسبب الظروف التي وقعت فيها، لذلك كانت عملية انتشار الكتاب ليست كما توقعنا انا ودار النشر.
ومن جهة أخرى فإن النشر مسؤولية ايضا
ويأخذ الكثير من الوقت، وربما كان علي ان انتظر قليلا حتى انتهي من دراستي الجامعية واتفرغ للأدب فالخلط بينهما شيء صعب نسبيا.
إلى أي مدى تساعد مواقع التواصل الاجتماعي في نشر الكتاب ووصوله إلى القراء؟
الانترنت لغة العصر، وهو نافذة اعلانية كبيرة سواء للكتاب او للكاتب تخيل ان كبسة زر بإمكانها ايصال فكرتك لعشرات الاشخاص خلال دقائق، فضلا عن وجود المكتبات الالكترونية التي تسهل عملية اقتناء الكتب وترويجها بشكل جيد.
ولكن لا انفي ان سوء الاستخدام لهذه المواقع والسعي للشهرة من خلالها يجعل من الكاتب اضحوكة، وقد يتم اهمال نتاجه الادبي مهما كان جيدا حين يبدأ بتمرير شخصيته للمتابع بصورة ساذجة
ما الخطأ الذي وقعتِ فيه في تجربة النشر الأولى وستسعين إلى عدم تكراره مستقبلا؟
سأحاول ان اكون دقيقة قدر الامكان في اختيار موعد ولادة العمل، لكي لا اخلط بين حياتي العملية وحياتي الأدبية.
و سأحاول وضع مدة زمنية كافية بين تجربة كتابية واخرى لكي لا يكون عملي القادم بنفس واحد وبالمفردة والصورة الشعرية ذاتها التي في الأول.
تحضى الرواية بإهتمام كبير لدى فئات واسعة من القراء ودور النشر هل تحضى الرواية بإهتمام مماثل لديك؟
لا اخفيك الأمر رغم اني اكتب الشعر إلا ان اغلب قراءاتي سردية، ولا اقرأ شعر إلا نادرا وهذا الأمر له سبب، فأنا احب مواصلة القراءة لكني لا أريد ان يتأثر اسلوبي الكتابي بما اقرأ لذلك اتجنب قراءة الشعر.
واتجه نحو السرد الذي يتيح لي امكانية القراءة المستمرة والاستفادة منها بدون أن يتغير شيء في هويتي الكتابية.
هل بدأتِ بوضع ملامح أو ارهاصات العمل القادم ربما؟
عملية الكتابة بعد التورط بنشر الكتاب الأول تصبح مثل المتلازمة، لا مفر منها لذلك فأنا أمر بتجربة شعرية جديدة لا محالة ، مختلفة عن السابقة طبعا ولكني خائفة منها نوعا ما، فكتابة الشعر ليس ككتابة الرواية مثلا فانت لا تمتلك مسبقا فكرة البداية ولا النهاية مما يعطيك طمأنينة ما بأن تسير متعكزا على موهبتك فحسب.
انما الشعر انفعال لحظي، ومن قصيدة لأخرى لا تعرف حقا ما الذي تفعله وإلى اين انت متجه.
أفهم من هذا أن العمل القادم ربما سيكون ديوان شعري أيضا؟
نعم على الاغلب، رغم اني اكتب غير الشعر بين الحين والاخر كالقصة والرسائل الا انني حاليا اعتبرها تمرين على السرد لا أكثر.
ما الرسالة التي تودين توجيهها إلى الكتاب الشباب والذين يعانون ربما من صعوبة أو تردد كبير قبل النشر خصوصاً من هم على رصيف العشرين من العمر أمثالك؟
اهم ما اريد قوله لأي كاتب “لا تعامل القارئ كساذج” فبقدر شعورك بالرهبة منه ومن رأيه في عملك سيزداد ذكائك بالكتابة، وكذلك فإن العمر ليس مقياس للتجربة الكتابية فلا يتم سؤال كاتب ان كان عمره عشرين او خمسين سنة ليكون مؤهلا للكتابة، بل السؤال الصحيح منذ متى وانت تكتب؟ فكلما ازدادت مدة التمارين الكتابية والمسودات الأولى الغير منشورة كل ما نضجت ادبيا لان الكتابة ليست قطارا ويمر بل ان بابها مفتوحا حتى بعد الموت كما حصل مع الكاتب كافكا على سبيل المثال.
ونصيحة أخرى، انظر لنفسك كمستجد دائما امام الكتابة ولو كنت في اخر السلم.
واخيرا اكتسب الخبرة الكافية في التعامل مع دور النشر والقراء قبل ان تقبل على طرح عملك.
كلمة أخيرة في نهاية الحوار.
كلمة للكاتب :
الكتاب الجيد يحيطك بقراء جيدين
ان علاقة الكاتب بالقارئ ليست كما يقال “علاقة استاذ بتلميذ” بل هي علاقة “تبادل منفعة”
وكلمة للقارئ : ان الكتابة مسؤوليتك بالمقام الأول وليست مسؤولية الكاتب كما هو متعارف عليه، لان الجميع له الحق في ان يعبر عن نفسه، او تجاربه، او مجتمعه كتابيا لكن كلما كان القارئ بالمرصاد للأعمال الأدبية الضعيفة كلما ارتقى مستوى الذوق الأدبي ليرتقي المجتمع الثقافي ايضا.
كلمة للفئتين : القراءة والكتابة لا تصنع لكم ” ابراجا عاجية ” تقطنونها بل انتم جزء من المجتمع بكل مكوناته الفكرية.
كلمة لكم : شكرا لهذه النافذة الجميلة التي فتحتها جريدتكم، وشكرا للمحاور الاستاذ سالم الحريك لجهوده المبذولة.
واشد على ايديكم للاستمرار وتقديم المزيد.
خالص محبتي.