- البانوسي بن عثمان :: جنوب ليبيا
اعتقد من الضروري التقديم . لما سأتناوله في هذا الشأن . بالقول . ان الاختلاف في ما بين المجتمع الغربى وما يقابله في المجتمع الشرقى . ينطلق في احد جوانبه . من نقطة الارتكاز . التى يتخذها كل منهما على حده , كمرجعية له , اثناء تعاطيه مع الحياة وتفاعله مع اوجهها العديدة . ففى الشرقى منهما . اعنى شرق المتوسط وجنوبه . تتشكل نقطة الارتكاز هذه . من منظومة قيميّة . تنتهى وعبر عملية معقدة . الى صياغة شخصية شرقية . تستند في سلوكها عبر مسيرة حياتها . على مرّجعية ذاتية . انضجتها الى حالتها هذه . عدد من الادوات والوسائل . الاسرة . الجامع . المدرسة . وما في حكمها .
كل هذا يثم وينّصهر ويتشكل . داخل بيئة اجتماعية وطبيعية , متنوعة الظروف ومتعددة المذاهب والمشارب . وتنتهى في اخر محطاتها عبر مسيرتها الطويلة المعقّدة . وفى الغالب . الى صياغة ما اصطلح عليه (بالضمير) او الرادع الذاتي او الوازع الداخلى . وستتعدد وتتنوع درجة الانصياع لهذا الوازع الذاتى . وتتدرج في مستواها , بتعدد وتنوع الأفراد والبيئات الاجتماعية الحاضنة له .
وقد لا تتمكن هذا العملية عبر مسيرتها . من الوصول الى صياغة وتشّكيل هذا (الضمير) او الرادع الذاتي . كما قالت عنه احد القراءة السيكولوجية . لاحد الشخصيات الرئيسية. التى شاركت في ادارة العقود الاربعة الفائتة . فقد تبين من خلال هذه الدراسة . خلو هذه الشخصية من الاسس والقواعد . الذى ينهض عليها الوازع الذاتى . الذى يُفّترض بانقيادها لإيحاءات توّجهه لها . اثناء تلك العقود الفائتة .
وفي المقابل . اتكئ المجتمع الغربي على توّليفه . راعت حضور واهمية الشأن العام . بل وجعلت منه قطب الحياة . من خلال اعتمادها لعقد اجتماعي . استولدت منه شرعية ملّزمة . تدعم مهام واعمال ما عرفناه بالرادع الخارجى اى القانون . واعتمدت في تفعيل كل هذا . على الحضور الطاغي للرادع الخارجي (القانون) . في توجيه الحياة وادارتها . بعدما زوّدته بذراع طويله لها قيضة مُوجعة , تطال كل من يصطدم ويتعدى حدوده بالتسّفيه والتجاهل .
كنت احاول ان اصل بالقول . من خلال كل التقديم السابق . بان هذا الوازع الذاتي عند الشرقى . سيكون حاضرا وبدرجات متفاوتة . اثناء تعاطيه وتفاعله مع محيطه الاجتماعى , كشخصية اجتماعية .
ولكن عند انتقاله . للتعاطي والتفاعل مع الشأن العام . الذى يخضعه النظام في ادارة شؤنه . الى رادع وضابط خارجى . نجد ونلاحظ تراجع وغياب واضح لحضور الوازع الذاتي . وبهذا الغياب ينّفسح المجال . نحو تسّفيه وتهميش للرادع الخارجى . وان جاء القانون , سياتى . على نحو باهت وشكلي وخجول لا غير .
بل نجد بعض الحواضن الشعبية في الداخل الليبيى . تحرض وان على نحو غير مباشر . على التحرر من احترام هذا الرادع الخارجى . بعدم الخضوع لمشآته. والابتعاد عن مجاراته . وقد يتبيّن هذا. كل متابع مهتم مندمج في تلك الحواضن . في ارهاصتها لتسفيه الرادع الخارجى – القانون – عندما تجّترح وتُصيغ هذه الارهاصات في اقول وكلمات . تذهب وتتوجه بها نحو تأكيد ذلك . فمثلا . عند تناولها في مشاكستها للمال العام . فتُعرّفه وتقول عنه :- بانه ( رزق حكومة ربى إيدُومَه ) . كما شاع هذا القول . وتسلل الى ثقافة الجنوب الليبيى . على لسان موّجات الوافدين عليه من دول جنوب الصحراء . وهذا القول بالكلمات . لا يقف عند القول وفقط . بل يذهب الى ما يجعل له (ما صدق) . على وجه الحياة .
كنت احاول القول . بان شخصية جنوب المتوسط وشرقه – في تقديرى- . ترتكز في تفاعلها مع الحياة . على ايحاء الوازع الذاتي . ولا تضع اعتبار كبير في ثقافتها . للرادع الخارجى . ويرجع ذلك لأسباب عديدة .
والذهاب بالشأن العام نحو الاتجاه الصحيح . الى ما فيه خير للناس . لا يثم الا بحضور رادع خارجي . وفى غياب هذا وتراجعه . ما من السبيل الى هذا الصحيح . الا بحضور الرادع الذاتي . لتمرير الشأن العام في شئونه على نحو مسؤول .
ومن هنا . يجب – في تقديرى – عند ظهور علامات تُبين ويُسّتنتج من خلالها . غياب وتراجع ظاهر في حضور الوازع الذاتى . عند المسؤول بإدارة الشأن العام . يكون من الواجب على الجهة المعّنية . ايقاف المعنى ومن ثم مساءلته . وهذا الاجراء – في تقديرى – يجب سحبه على كل المشاركين فى ملتقى (75) الوطنى المنعقد بتونس . واتاحت الفرصة للمشاركة في بديل . يضع اعتبار هام . لهذا الضرف الصعب . الذى يمر به الوطن . نحو الانحدار والتفكك والتلاشي , ان لم يثم ومن خلال المؤتمر الوطنى المنعقد بتونس. وضع آلية تعمل على تلافيه . وتجتهد على ايقافه .