سادتنا.. متى تخجلون ؟!

سادتنا.. متى تخجلون ؟!

المهدي يوسف كاجيجي

في السويد، سرق لص حقيبة أستاذ جامعي، وبداخلها جهاز الحاسوب “كمبيوتر”. الصدمة كانت شديدة لأن الجهاز كان يحتوي على أبحاث للأستاذ ومحاضراته خلال العشر سنوات الأخيرة، لكنه فوجئ برسالة في البريد تحتوي على فلاش ميموري “USB ” منسوخ عليها الأبحاث والمحاضرات التي كانت موجودة على جهاز الحاسوب.

في ألمانيا، أقتحم لص بيتا من أجل سرقته، ففوجئ بوجود طفلين بصحبة جليسة أطفال ” مربية ” التي اندفعت لمقاومته فأرغمها على الاستسلام، مستخدمًا سلاحه ، تقدم منه الطفلان عارضين عليه مصروفهما مقابل ألا يؤذيهما. تقول المربية: كان المشهد غريبًا ، انكسرت نظرات الرجل خجلًا وانسحب خارجًا من البيت على الفور تاركًا كل شيء.

الحكايتان تم نشرهما في بريد القراء في إحدى الصحف ضمن رسالة لأحدهم، تحت عنوان (من باب الخجل) فذكرتني بتجربة مررت بها في مدينة القاهرة. كان الوقت ليلًا وكنت صاعدا الكوبري الرابط بين ضفتي نهر النيل بمنطقتي الزمالك والعجوزة، وعندما وصلت إلى منتصف السلم، خرج عليّ شاب صغير شاهرا سكيناً.

أفزعتني المفاجأة، فصرخت مستجديا وأنا ارتعش رعبا: يا ابني هدئ روحك من فضلك، والله سأعطيك كل شيء معي، من فضلك لا تؤذني، أنا مثل جدك. وظللت اردد مرتعشا أنا مثل جدك. لن أنس ما حدث، فجأة انكسرت نظرات العيون خجلًا، وانخفض السلاح المشهر وتراجع الشاب إلى الخلف وانطلق هاربًا. من باب الخجل اعجبني عنوان الرسالة ” من باب الخجل ” واعتقد أن صاحبها يشير هنا إلى الخجل من النفس، وهي حالة تدرك فيها النفس البشرية، الحالة المتدنية التي وصلت اليها، فتبدا بتأنيب الضمير وجهاد النفس وتطهير الذات من الذنوب، والتحكم في الغرائز والشهوات.

هو انتفاضة النفس الطيبة القابعة في نفوس الخيرين، النفس اللوامة التي ذكرت في القرآن الكريم في قوله تعالى: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ}.

سادتنا.. متى تخجلون ؟ الخجل من النفس، أو حضور شاهد العقل، كما يقول الليبيون ، تلك المشاعر الإنسانية النبيلة، ألم يدرك بعض منها سادتنا من اللاعبين المتصدرين بالمشهد الليبي ألان على كافة انتماءاتهم؟ – ألم يتمعنوا قليلا في وجوه ضحاياهم من ابناء شعبهم التعس ؟

ألم تتأثر مشاعرهم بمسحة الحزن التي تعتلي الوجوه ؟

الم يتمعنوا فى الأعين المكسورة، نظرات الخوف، والرعب، والانكسار، والذل، والخنوع، والجبن، والفزع، والضياع. الم يدركهم بعض من شاهد العقل، وهم يرون أرواحًا شابة تقتل، ودماء طاهرة تهدر، وعائلات آمنة تهجر وتشرد، ومدن تهدم، وثروات تنهب وتسرق، ونسيج وطني يمزق، ووطن ينحدر نحو المجهول، وشعب بكامله يبدو وكأنه في حالة انتحار جماعي. سادتنا لقد تعبنا.. سادتنا متى يدرككم الخجل ؟؟!!.

* الصورة: من ليبيا .. عندما يبكي الرجال ؟

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :