قراءة : سماح عادل
رواية سيمفونية الجنوب.. تأثيرات العنف السياسي على شعب “تشاد”26 نوفمبر، 2021خاص: قراءة- سماح عادلرواية “سيمفونية الجنوب” للكاتب “طاهر النور” من تشاد، تحكي عن الفساد السياسي والاضطهاد الوحشي الذي تفشى في دولة تشاد، مفرقا ما بين الجنوب والشمال، ومضطهدا أعداد كبيرة من الناس سواء في الجنوب أو الشمال.الشخصيات..حامد: البطل، وهو رجل من الشمال، كان ينتمي لعائلة غنية لكن عائلته اضطهدت من قبل الطبقة الحاكمة، وتم اغتيال معظم أفرادها والباقي عاشوا في بؤس، واضطر “حامد” إلى الهجرة من الشمال إلى الجنوب.مريام:
طفلة “حامد” التي اصطحبها معه إلى الجنوب بعد وفاة والدتها، وهي بطلة الرواية أيضا.مانديلاد: زوجة “حامد” التي تزوجها بعد سفره إلى الجنوب ومعها طفلها “يعقوب” منه، وهي امرأة حنون تعامل “مريام” بود ورحمة.أونكل موسي: رجل من الشمال عثر عليه “حامد” واقعا تحت تعذيب وحشي وحاول معالجته، لكنه مات وشكل موته تحولا كبيرا بالنسبة ل”حامد”.صاحب الأتان: رجل غريب جاء للعيش في الجنوب في نفس القرية التي تعيش فيها “مريام”.وهناك شخصيات أخرى داخل الرواية من الشمال والجنوب.الراوي..رغم أن الرواية تتمتع بتعدد الأصوات، حيث يبدأ الحكي ب”مريام”، وصوتها ورؤيتها لعالم الجنوب الذي تكتشفه كطفلة صغيرة فقدت أمها وأبيها وتعيش مع أهل الجنوب بمفردها، وصوت “حامد” الذي يحكي عن رحلته إلى الشمال مرة أخرى للبحث عن عائلته ومعرفة مصيرها. وحكي “أونكل موسى” الذي حكى عن ما حدث له قبل موته، وحكي صاحب الأتان الذي تعرض لحكاية مأساوية هو الآخر، لكن يمكن الشعور بالراوي الخفي الذي يقف وراء كل تلك الأصوات، نشعر كقراء بحضوره قويا.السرد..تقع الرواية في حوالي 400 صفحة من القطع المتوسط، يدور السرد في الجنوب حيث تكتشف “مريام” العالم هناك في تجوالها في الحقول وفي تفاصيل الطبيعة الغنية، وتسكعها مع صديقاتها، ثم ينتقل السرد إلى حكاية “أونكل موسى” التي تحكيها “مريام” لصديقتها، لكن الكاتب يترك الحرية لصوت “أونكل موسى” في الحكي عن نفسه، ثم حكي صاحب الأتان عن حكاية تغربه وقتل أهله، وينتقل الحكي إلى الشمال حيث يحكي “حامد” عن رحلته حين قرر العودة إلى الشمال للبحث عن عائلته، ثم عودة إلى “مريام” ونهاية غير سعيدة ومفتوحة، ويتخلل ذلك حكي عن الإطار السياسي الذي يحكم مسار الأحداث ويحكم الشخصيات.دولة تشاد..تتميز الرواية أولا بأنها تكشف عن دولة تشاد الذي لا يعرف الكثيرين منا عنها شيئا، فدول إفريقيا غالبا لا يُعرف عنها معلومات سوى من يبحث عنها ويهتم بذلك، خاصة الدول التي تقع في وسط وجنوب إفريقيا. تكشف الرواية عن النظام السياسي المستبد الذي اضطهد أهل الشمال وقتل منهم الكثيرين، بسبب أنهم غير موالين للنظام، فمن لا يتعاون مع النظام يتم التعامل معه بوحشية مفرطة، من قبل ديكتاتور لا يرحم، ونظام سياسي فاسد.والأمر لا يختلف كثيرا في الجنوب فقد تعرض الجنوب أيضا للاضطهاد والقتل، وخاصة حركات التمرد على النظام تمت تصفيتها بوحشية، لكن ترصد الرواية اختلافات أخرى ما بين الشمال والجنوب، فالشمال مكان حضري، يتمتع بالخدمات وبالتحضر الأقرب إلى عالم المدينة، في حين أن الجنوب زراعي منغلق أجواءه بدائية، حتى أنها كانت أجواء غرائبية وساحرة بالنسبة لي كقارئة لا تعرف شيئا عن دولة تشاد.الشمال والجنوب..الشمال أثقله فساد النظام السياسي وأصبح طاردا لسكانه وأهله، ومن يعيشون فيه يعانون ويتعذبون إلا من تقرب من السلطة وغرف من خيراتها.
والجنوب منطقة خصبة تزرع وبها خيرات كثيرة، حتى أن “حامد” استطاع عمل مزرعة له بعد هجرته إلى الجنوب وكانت له قطعة أرض خاصة به، وتزوج من “مانديلاد” وكان أهلها يساعدونه في الحصاد. والعلاقات بين الناس في الجنوب علاقات ود وتراحم أشبه بأجواء القبيلة التي تحمي جميع أفرادها وتعاملهم بمساواة، الخير كثير يكفي الجميع ومن يجتهد يستطيع العيش بحرية وفي سلام، في أجواء طبيعة ساحرة وغنية، وضمن حياة اجتماعية بسيطة تخلو من تعقيدات المدن والتعقيدات الطبقية.ترصد الرواية رؤية “مريام” لأهل الجنوب وللطبيعة في الجنوب بعد أن جلبها أبوها من الشمال وكون عائلة له، ثم تركها مع “مانديلاد” ورحل، وتخوفها من فقدانه كما فقدت أمها.الإبادة..وحكت الرواية عن الإبادة التي مارستها السلطة ضد الناس المسالمين في الجنوب، والتي راح ضحيتها أهل “صاحب الأتان”، ذلك الرجل الذي كان غريبا وجاء إلى القرية التي تعيش فيها”مريام”، لكنه كان يتعامل بغرابة. وقد حكي الرجل عن إبادة أهله ورؤيته لجثثهم وجثث أهل قريته، بعد أن غارت عليهم قوات مسلحة تابعة للسلطة، لكن الرجل نفسه قام بقتل طفلة صغيرة في القرية التي استقبلته وعاملته بود، وأعطته الكثير وسمحت له بالتمتع من خيراتها.وهنا أيضا نلاحظ الطقوس التي يحتفظ بها أهل الجنوب والتي تشبه طقوس الشعوب البدائية، حيث المحاكمة تدور أمام الناس والحكم يتم تنفيذه أمامهم أيضا والقصاص العادل هو الجزاء.اغتيالات مدبرة..كما من خلال عيني “حامد” نتعرف على ما فعلته السلطة بأهل الشمال من اضطهاد وقهر وظلم، واغتيالات مدبرة وسرقة ونهب لأموال من لا يوالي السلطة، وتشريد الأهالي، وهذا ما حدث مع عائلة “حامد” الذي مات بعد أن عرف مصير أشقاءه وباقي عائلته، ولم يستطع العودة لابنته “مريام” كما وعدها.عنصرية..كما ترصد الرواية التفريق ما بين الشمال والجنوب على أساس عنصري، حيث يتمسك بعض الناس بهذا التفريق الذي تستخدمه غالبا السلطات للتفريق بين شعوبهم، ويتجلى ذلك في إصرار عمة “مريام” أن تصطحبها معها بعد موت أبيها، حتى لا تتركها تتربي مع أهل الجنوب التي تشعر بأنها وأهلها أحسن منهم.اعتمدت الرواية على لغة عذبة ومتقنة، وعلى رسم عميق لبعض الشخصيات، ورصد لمخاوفهم وأحلامهم ومعاناتهم الحياتية، كما رصدت التسامح والود الذي ما زال يسود في الجنوب، وتكمن أهميتها أنها كشفت عن عوالم تعتبر خفية لكثير من القراء في منطقتنا عن دولة تشاد والتفاصيل السياسية والاقتصادية والاجتماعية فيها.الكاتب..“طاهر النور” كاتب تشادي، عمل سكرتيرا لتحرير جريدة «أنجمينا الجديدة» ومحررا في صحيفة «أيام» ونال جائزة قاص جامعة الملك فيصل في تشاد2015، عن قصة «أرض التبر» وله مخطوطة قصصية بعنوان «عزف بلا معنى» ورواية «سيمفونية الجنوب» .