د. نورالدين محمود سعيد
ضمن كتابنا آراء نقدية في الأدب والفنون، إخترت هذه المقالة وهي نصائح لرؤيتي في الكتابة: ما نراه في فن القصة، وآليات الكتابة (نصائح لطلابي المهتمين بكتابة القصة، في المرحلتين، الدراسات الجامعية، والعليا) وأصدقائي الأحباء: تمهيد قصير: على فن القصة القصيرة بالذات أن لا ينضبط كثيراً بقاعدة كتابة القصة، “حسب رأيينا”، لسبب أن الحبكة عندما تكون مصنوعة صناعة، تنضغط وتتحدد بناء على وجهة نظر سالفة على الحدث، وهي التي تقوده إليها وتتحكم فيه، هنا بالذات سوف لن تفقد القراءة معناها فقط، بل سيفتقد الكاتب قارئه، وإذا افتقدت القصة قارئها، ستفقد قيمتها الجمالية، وعوالمها الحية حتى وإن قرأها 10 ملايين إنسان. سأشرح باقتضاب، في نقاط من عندي:
1ـ على القصة أن تتآخى مع الشعر وأن تنافسه، أي تحاول جاهدة أن تكون مثله أو أجمل منه بكثير، على كاتب القصة أن يكون على معرفة بفنون التصميم الداخلي والتأثيث، عليك اختيار تأثيث أحداثك بما يليق وحالة الزمن (التاريخ)
2ـ على القصة أن تنساب بلا قيود كابحة لسريانها، من هذه القيود وأكثرها إفساداً، هي الأيديولوجيا، والعصبية إلى، وإقحام الذات بلا داعي، فلا بأس من إقحام الذات، فقط، ضروري من داع مقنع.
3ـ عليك أن تعي ككاتب أن كتابة القصة، هي بالضبط مثل قيادة الفرس، إذا ما كان ممكناً كبح لجامها، أتركها تسبح بلا هوادة، حتى وإن كنت تقودها على أرض غير منبسطة، أترك لجام الكتابة قليلاً، وسترى أنها ستصل إلى مبتغاها هي، وليس مبتغاك أنت، إذا استطعت تفهم هذا الكلام، فأنت بلا ريب في الطريق القويم لكتابة قصة.
4ـ إذا كانت بطلتك صخرة، ليس مهم أن تلك الصخرة ذكرى لأجدادك، بل دعها تكون مكاناً التقى فيه بالصدفة عنصري جمال، بطلان من عالم جميل، سواء كان سماوياً أو أرضياً، وإذا كانت بطلتك امرأة، حدد كيف ترسمها بأقل تكلف أو إسفاف، انقش ماكياجها بالقدر الذي يكون لك فيه قدرة على ذلك، ليس شرط أن تذهب لمحل تجميل وتقلده، أما إذا كان بطلك هو أنت، فعليك أن تعي أن قصتك قد حصلت بالفعل ولو بجزء 70 في المائة منها يكون حقيقة، والباقي، ليس كذباً بل هو تزيين وإضافات جمالية
5ـ حين تفتح الكيبورد، أو تمتشق القلم، اكتب أي كلمة لا تكون أبداً قد فكرت فيها، تلك التي تأتي إلى دماغك بصورة غير مخطط لها، لا تحجبها، إن أعجبتك، ابني عليها وإن لم تتفاعل معك، اتركها.
6ـ حين تريد كتابة قصة قصيرة، عليك أن تقرأ كل مجلدات تشيخوف، ثم تتركها، ثم تقرأ مباشرة قصة “الشيخ والبحر” لـ هيمنجواي لسبب واحد، أهمه: أن السرد جاء به هيمنجواي بشكل لا يقصد من ورائه حبكة أو بداية ووسط ونهاية، ضربت مثالاً بتشيخوف لأنه ملك القصة القصيرة وهو الذي انتشلها من براثن كتابة العوام لها، وهو الذي هذبها وشكل جسدها الجميل الحديث، وهو الذي تشاكل معها بالحب والحزن والفرح والبكاء، وهو من ألبسها حلة جمال غير معهودة قبله، أما هيمنغواي فقد كان شاعراً في رواية الرواية أو رواية القصة الطويلة، وهو أعظم كاتب (إنسيابي) في رأيينا، يكتب بلا مقاصد عدا تلك المقاصد التي تريد الكتابة أن تظهرها، لا تلك التي يريد هيمنغواي أن يظهرها.
7ـ أن تقرأ بورخيس كله، حتى ذلك الذي لا تحبه من أبداعه.
8ـ أن تتمعن أسطر جيمس جويس، حتى تتمكن من فن عمارة القصة، وزخرفتها.
9ـ أن تحاول سحب مورافيا من السأم وتسأله، لماذا فعل كل هذا الذي فعله؟
10ـ أن تخصص وقتاً طويلاً لقراءة أمبيرتو إيكو، ومن ثم تغذي مكتبتك الأدبية بالأفلام، بمعنى أن تكون الأفلام في رف موازي للكتب، وأن تجعل من فيديريكو فيليني رقم 1 في المشاهدة. ثمة أشياء كثيرة أخرى عليك اتباعها، لكن ربما تكتفي بهذا، ربما هذا هو كل شيء