محمد عثمونة
سأقارب النص الروائي الحائز على جائزة البوكر العربية – خبز على طاولة الخال ميلاد – متكئا على اعتقادي بأن النص الأدبي لا يخرج عن كونه وليدا شرعيا للظرف المكانى الزماني الذي جاء فيه. وما يكتنف هذا المكان الزماني من صروف حياتية ستترك بلا ريب بصماتها على صياغة ومحتوى النص الأدبي. سواء كان نثرا أو نظما. بل ستتولى صياغته بمفردات اجتماعية ثقافية نفسية. هي في مجملها نتاج طبيعي للبيئة الاجتماعية الثقافية النفسية للركح المكاني الذي تتحرك من فوقه شخوص النص الروائي. فرواية خبز على طاولة الخال ميلاد كانت تنظر أو نَظَرت إلى كل ما خطته وجاء ككم ومجموع من الأحداث ترسمه ورسمته شخوص الرواية على الخريطة الاجتماعية الثقافية النفسية. التي تتنقل داخل إطارها. نظرت إلى كل هذا من خلال الظرف المكاني الزماني الذي كان مسرحا لأحداث وشخوص الرواية . وما يكتنف هذا المكان من ظرف استثنائي خطه أو خطته في حالتنا هذه أحداث انتفاضة 2011 م .
فالأحداث سواء كانت سلبا أو إيجابا التي شكلت بمفرداتها مسيرة انتفاضة 2011 م بليبيا . كانت هي الممر الذي عبرته الصور والتراكيب اللغوية والشخوص والأماكن إلخ. قبل أن يتجسد كل هذا الشيء في محتوى أدبي ضمّه متن رواية خبز على طاولة الخال ميلاد حتى وإن لم تأت الرواية على ذكر الانتفاضة تلميحا أو تصريحا. ومن هنا فشخصية ميلاد المحورية وتوابعها بداخل الرواية شكلتها وبلورتها طريقة (ميلاد) في مٌشاغلته واشتباكه مع كل ما يكتنف فضاءه الاجتماعي من صروف حياتية استثنائية .
حاولت الرواية أن تقول بأن نهج ميلاد في تفاعله مع الحياة قد أظهره على هذا النحو . لأن البيئة الاجتماعية الثقافية النفسية التي شكلته لا تستطيع باستنادها على المرجعيات الاجتماعية الثقافية النفسية السائدة في جغرافيته أن تنتج غير هذه السمات التي شكلت شخصية الخال ميلاد. وبما أن الفضاء الروائي الذي اختارته الرواية كمسرح لأحداثها كان محصورا بمدينة طرابلس وضاحيتها اللصيقة فالشخصية المحورية بالرواية كانت وبحكم الواقع ليست غير تشريح للشخصية الطرابلسية وسماتها .
وبمختصر القول بأن (ميلاد ) هو مرادف للطرابلسي وليس مرادفا لمسمى الليبي لأنني أعرف بعض الفضاءات الاجتماعية تعرضت لما تعرضت له طرابلس , وكانت لا تملك كتلة بشرية هائلة تُعد بالملايين كطرابلس ولا ذات المقدرات الأخرى الداعمة. بل لا تتخطى كتلتها البشرية القليل من الألوف . قد كانت في مواقفها من الأحداث مختلفة على النقيض من طرابلس . وعلى قاعدة الشيء بالشيء يذكر لقد قرأت لأحد الكتاب أو المترجمين يتحدث عن كِتاب لكاتبة أو باحثة أمريكية تتناول فيه مُقاربة لما أسماه (التربوليني) أي الطرابلسي أي الشخصية الطرابلسية في وجهيها المذكر والمؤنث . فهو لم يخرج فيما قاله عن الخطوط العريضة عما طرحته سلفا . بل زادت الباحثة على ذلك بأن كلمة الوطن لا وجود لها في القاموس الطرابلسي الثقافي وكأن الكِتاب يحاول القول لا يجب ائتمان الطرابلسي على شيء لا يضمّه قاموسه الثقافي فهل واقع الحال يؤكد ذلك ؟
! . أمّا عن المفردات التي غطت الفضاء اللغوي للرواية . والتي كان يرى فيها البعض بأنها قد جاءت صادمة وخادشة للحياء . وكأن هؤلاء يحاولون القول وبوجه من الوجوه بأن هذه الصياغات غير مقبولة. فكل ما جاء محملا في تلابيب المفردات. ومهما كان وقعه صادما للبعض فهو جاء ممثلا طبيعيا لمخرجات البيئة الاجتماعية الثقافية النفسية التي يعالجها أو يتناولها مضمون الرواية. كانت الرواية في مضمونها تجتهد وتحفر للوصول ضمنيا إلى تحوير المثل الشعبى الليبي (عيلة اُو خالها ميلاد) أو تطويره بصياغة أوسع على نحو (ابلاد وعاصمتها اطرابلس) . أو هكذا بدا لي هذا المثل العتيد الذى اتكأت على تفكيكه الرواية للوصول بهذا المنتج الأدبي إلى هذا المستوى الإبداعي. الذي أهلها لاختطاف البوكر من بين أيادي روايات أخرى .