د. علاوة كوسة / الجزء الثاني
في مقدمة اول معجم في تاريخ الادب العربي حول الكتابات والنقوش الشعرية العربية على شواهد القبور والاضرحة
خـــــــــــــارطة طريــــــــــــــــــــــــق بحثيّــــــــــــــــــة:
تحصّنتُ – في رحلة جمعِ ديواننا الشعريِّ الشاهديّ العربيّ، ومحاولةِ استكشاف أنساقه المُقنَّعة، بخارطة طريق بحثية واضحة مدروسة ؛ إذ قسّمتُ البحثَ إلى بابين اثنين؛وقد جعلت البابَ الأوّلَ بعنوان: الأنساق المقنّعةُ في الشِّعر الشاهديّ العربي( قراءة ٌفي الكتابات والنقوشِ الشّعرية العربيةِ على شواهد القبور والأضرحة) .
قسّمتُ هذا البابَ إلى فصلين: أمّا الفصلُ الأولُ فوسْمُه: (الكتاباتُ والنقوشُ الشّعريةُ العربيّةُ ، وأسئلةُ النّـقدِ الثقافي) ، متحدّثا في مبحثه الأوّل ( أسئلة النقد الثّقافي) عن نظرية النقد الثقافي بوصفها مقاربةً عابرة للثقافات ، وعن استدراج النقد الثقافي إلى مَواطن النقد الأدبي ؛متسائلا: أهو انسجامٌ وتكاملٌ أم إنّه إقصاءٌ وتحامل ؟ مستعرضا مشهدا نقديا من التجربة ” التوطينية ” العربية لمشروع النقد الثقافي ، ممثَّلةً في تجربة الناقد ” عبد الله الغذامي ” بين الرؤية والرؤيا، وبين شظايا” الفتنة النقدية الكبرى” ، فورَ إعلانه موتَ النقد الأدبي ، منتصرا للنقد الثقافي ، أما في المبحث الثاني ، فتحدثت عن ضرورة الانتقال ( مِن النسقِ المضمَرِ إلى النسقِ المقنَّع) ، ممهّدا لهذا الانتقال بالاعتراف الظاهر بسلطة الخطاب الخفيّ للنسق المضمر ، وبمركزية الأنساق المقنعة – كخطابات مخاتلة – في الشّعر الشاهديِّ بوصفه وجها من أوجه الثقافة العربية ، وقد خصصت للكتابة والنقشِ على شواهد القبور مبحثا ضاربا في جذور الكتابة على الأشياء ، وهو ما يُعرف بفن الأبـيجرام ( Epigramma) ، بفنياته ومضامينه، وما تميّزت به شواهدُ القبور شعريا بعد ذلك ، أما المبحث الرابع فقد كان حوْلَ( الشّعر الشّاهديّ في الدرس النقديّ العربي)؛ ممثَّلا في الدراسات المتخصصة، كالكتب و الأطاريح والمقالات، والتي ظلَّ فيها ذِكرُ الشّعرِ الشّاهديّ طارئا عابرا عرضيا مقتضبا، ومنها ما ورد من” الشعر الشاهدي” في بطون الكتب التاريخية والدينية والأثرية، وأنّى يكون له وهجٌ ولم يمسسْه مؤلِّفُ كتابٍ بنقد أو تحليل خالص؟
أمّا الفصلُ الثاني ، فوسْمُه: (الأنساقُ المقنَّعةُ في الشِّعر الشاهديّ العربي-مقارباتٌ تطبيقية)، و تحسّستُ في مبحثه الأول”نسقَ الخلـــــــــــود ” بين رُهاب الموت و رُغابِ الحياة، منطلقا من “الخلود” مَرجعا ومفهوما ، معرّجا على “وهم الخلود وواقعية الموت” ؛ في انعكاساته الأسطورية (بين عقدة جلجامش* وواقعية سيدوري) ، وفي (عقدة سيزيف/ عذاب الفقد الأبدي) ، وفي (عقدة العنقاء/ الخلود انبعاثا شعريا) ، واستعدتُ فنَّ ( التأريخ بالشعر/ الوثيقة القبرية الخالدة) ومفهومَه وجذورَه، وانتقالَه إلى شواهد القبور والأضرحة نسقا مُتَشَعْرِنا مقنَّعا بلبوس تاريخي مخاتل ، قارئا” النبوةَ “نسقا شعريا يجسّد “حوارَ الأديان والتعايشَ الإنسانيَّ الخالد” ، وخصّصتُ المبحثَ الثاني لقراءة نسَقِ ” الفحولة ” ، مستكشفا مقدرةَ الشعر الشاهديِّ العربي على” اختراع الفحل و وأدِ الأنوثة” ، حين تُكرِّس الفحولةُ الشاهديةُ الأنوثةَ المهمَّشةَ / المهشّمة ، وتصيرُ نسقا مقنّعا شاهدا ، يَخترع الفحلَ الشعريَّ والفحلَ السياسي والفحلَ الديني وغيرَهم ،كما تناولتُ نسقَ” الأنوثة المقدسة” في الشعر الرجالي/ استفحال الأنثى، وكيدَها ومحاولتَها هدْمَ الفحولةِ بانتقامٍ شعريٍّ ناعم.
وسمتُ البابَ الثاني من البحث ب: معجم الكتابات والنقوش الشعرية العربية على شواهد القبور والأضرحة (قديما وحديثا)، وقد جعلتُ هذا البابَ أربعة َ فصول؛ أمّا أوّلُها فعنوانه :(الكتاباتُ والنقوشُ الشّعريةُ في الدواوين الشعرية ) ، ومن هذه الدواوينِ: ديوان الشاعر إبراهيم أفندي الأحدب، ديوان الشاعر ابن شهيد الأندلسي، ديوان الشاعر أبي البحر جعفر بن محمد الخطي، ديوان الشاعر أبي الطّيب المتنبّي، ديوان الشاعر أبي القاسم الشابي، ديوان الشاعر المعتمد بن عبّاد، ديوان الشاعر بدويّ الجبل ، ديوان الشاعر بطــــــــرس كرامـــــــــــــــــــــــــة، ديوان الشاعر حافظ إبراهيم، ديوان الشاعر صالح مجدي بك، ديوان الشّاعر عبد الله البردوني ،ديوان الشاعر عمر أنسي، ديوانُ الشاعرمحمّد شهاب الدين المصري، ديوانُ الشاعر محمد مهدي الجواهري، ديوان الشاعر محمود درويش، ديوان الشاعر محمود صفوت الساعاتي، ديوان الشاعرة مريانا مرّاش الحلبية، ديوان الشاعر معروف الرصافي، ديوان الشاعر ناصيف اليازجي، ديوان الشاعر نـــــــــــــــــــــــزار قبّاني، ديوان الشاعر نقولا الترك و ديوان الشاعرة وردة اليازجي.
جاء ثاني الفصول بعنوان: الكتاباتُ والنقوش الشعرية من الكتب التاريخية والدينية والأثرية ، ومن هذه الكتب نذكر:( إخبارُ الأخيار بما وُجد على القبور مِن الأشعار) لأبي العباس أحمد بن خليل اللبودي الدمشقي الشافعي ، (نفحُ الطيب من غصن الأندلس الرطيب) لأحمد بن المقري التلمساني ، (الثغر الجماني في ابتسام الثغر الوهراني) لأحمد بن سحنون الراشدي، (تاريخ الآداب العربية:1800-1925م) للأب لويس شيخو ،(كتابُ القبور) للحافظ بن أبي الدنيا القرشي ،( شواهدُ قبور من الإسكندرية) لخالد عزب وشيماء السايح ،( الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية) لشكيب أرسلان ،( النقوش الشعرية في كتاب “أحجار المعلاة الشاهدية بمكة المكرمة” وقيمتها الأدبية) لعبد الرحمن بن ناصر السعيد( إتحاف الأعزة في تاريخ غزة) لعثمان مصطفى الطباع الغزي،( تاريخُ غزّةَ في نهاية العصر العثماني من خلال شواهد القبور ) لفرج الحسيني ،( الإحاطةُ في أخبار غرناطة) للسان الدين بن الخطيب ، ( الدرُّ الثمينُ والموردُ المعين) لمحمّد بن أحمد الميارة الفاسي، ( تحفة القادم) لابن الأبّار ، ( شواهد قبور إسلامية من مدينة صعدة باليمن) لمصطفى عبد الله شيحه ، و( رثاءُ النّفس في الشّعر الأندلسي) لمقداد رحيم.
أمّا الفصل الثالثُ فوسمُه: الكتاباتُ والنقوشُ الشعرية من رحلات ومراسلات شخصية، وتضمن الكتاباتِ والنقوشَ الشعرية التي حصلتُ عليها من خلال رحلاتي الشخصية إلى مواطن هذه النصوص، أو من خلال ما وافاني به بعضُ الأصدقاء من نصوص وصور لأشعار شاهدية كُتبت أو نُقشت على قبور وأضرحة مختلفة، وهي للشعراء: الشيخ ولد بلعمش(موريتانيا) ، الصغيّر أولاد أحمد (تونس)، محمّد العيد آل خليفة (الجزائر)، محمد بن صابر الرياحي التيجاني(تونس).
وُسم الفصلُ الرابع والأخير من الباب الثاني ب: الكتابات والنقوش الشعرية من المواقع الإليكترونية ، وتضمّن الفصل نصوصا شعرية ، ثَبُت أنها كتبت أو نقشت على شواهد قبور أو أضرحة مختلفة ، وأصحابُ تلك النصوص هم الشعراء: أبو العلاء المعري ، حسين البرغوثي ، محمد الشلماطي، محمد الماغوط ، محمد مهدي الجواهري ، نجيب سرور ، ولادة بنت المستكفي ، وهناك شواهد من مقبرة( بيسان) بفلسطين وهي نصوص مجهولة القائل.
شكّلتْ كتبُ النقد الثقافي، الغربيةُ المؤسِّسة ، والعربيةُ الرائدة زاديَ التنظيري في هذه الرحلة البحثية ، أما شَهدي الشِّعري الشاهديّ ، فقدِ افتككْـتُه من بطون الدواوين الشعرية ( التي يعود معظمُها إلى أواخر القرن التاسع عشر و إلى بداياتِ القرن العشرين) ، ومِن روافد ِكتبٍ أثريةٍ وتاريخيةٍ ودينية ، ومن زياراتي الخاصة إلى قبور وأضرحةٍ قصيّة في بلدان عربية عدّة ، ومِن مراسلات بعض الأصدقاء مّمن لهم غيرةٌ وحميّةٌ على جمع إرثنا الشعريّ الشاهديّ العربي ، وقد تفرقتْ به الشواهدُ والسّبلُ والتخصّصات ، وإنّي لأرجو في هذا المقامِ البحثي ، أن يكون هذا الجهدُ العلميُّ إضافةً حسنةً ، وفاتحةَ بحوثٍ أُخَر تُمكّننا من الإحاطة بموروثنا الشِّعريِّ الشاهديّ –قديمِه وحديثِه- ومن الاشتغالِ عليه ، وتقديمِه لمخابر البحثِ والنقد ،ففي موروثنا هذا ما يستحق الحياة، والله المستعان.