بقلم :: كونية المحمودي
هنا العاصمة.. هنا القاصمة .. هنا الحاسمة .. الرافضة.. الرابضة.. الساجدة.. القانتة.. الراهبة.. الصابرة.. الساحرة.. الفاتنة.
هنا الفاتقة الناطقة.. الطاهرة الغالية.
هنا خيمة العز.. و موطن الفراشات و القمر و العصافير.
هنا الهاني .. هنا قبر أبي .. هنا الشعّاب و الحفرة .. هنا شواطئ العشق في تاجوراء الجميلة.
هنا بيتي .. هنا أهلي .. هنا ناسي .. هنا عمري .. هنا أحلامي المذبوحة على قربان من رحلوا .. هنا توق الروح .. وزمن عجائبي ساكن في حنايا الذاكرة.
هنا السهاري الحلوة.. و بخور أمي في مواقد الشتاء .. وتسابيح أبي في الهزيع الأخيرمن الليل تشق عنان السماء .. وتوقظ النيام عند الفجر.
هنا عطر أبي .. ورائحه قهوته النسكافيه بعد صلاة الفجر .. لم تغادرني منذ بواكير العمر.
هنا الشاطئ يمتد في غنج و دلال .. يزخر بالسردين و الكوالي و الفروج و المرجان و خيرات الله.. في أرض لا يجوع فيها الفقير.
هنا عالة الشاهي، والفرملة، والزبون، والفراشية، و أردية الحرير، و البدلة الكبيرة والصغيرة، و عقود الفل، والزهر، و العطر، والوشق، والحنة الطرابلسية، والزمزامات، و قصائد المالوف، و حضاري الصوفية.
هنا طرابلس .. جنان النوار .. و قالاريا دي بونو .. وكوشة الصفار .. وحمام درغوت .. ومطعم البرعي .. وسوق الرباع .. وباب بحر .. والزاوية الكبيرة .. وجامع ميزران.
هنا العاصمة ..عروس البحر.. ” أم السراي العالي مسكّنة الزيوالي”.
في عينيها الجميلتين يزرع الفقراء أحلامهم البسيطة و يرحلون عند الفجر .. وفي أحضانها يرتاح كل الغرباء و المشردون الذين لفظتهم المدن البعيدة.. و على أبوابها يجد المتعبون راحة الأمل.
هنا التكايا والزوايا والقباب .. ومساجد يذكر فيها إسم الله آناء الليل وأطراف النهار.
هنا الجمعة أمان ومسجد و صلاة و قرآن .. وسماحة .. وصلة أرحام .. و لمة الأخوال والأعمام والنسائب في المزارع والديار على أطباق البازين و الكسكسي والشاي المعطر بالنعناع .
هنا الجمعة لله و للدين .. و ليست لقناة الجزيرة.. الراعي الرسمي لجمعات الدم والإرهاب.
هنا الدين السمح السموح .. هنا لن تكون تورابورا و لا قندهار.
قلبي ممزق بين مدينة النور ومدينة الظلام .. بين قبر أبي و فلذة كبدي.
طرابلس .. أكان قدري أن أعشق شواطئك الجميلة وعيون أهلك الطيبين؟؟
طرابلس.. لا أريد أن أتركك وأنت تحترقين.
طرابلس ..لن نكون لاجئين .. و أنت حضن العالم.
طرابلس.. لن تكوني بغداد أخرى.
طرابلس.. سوف يكون لك فجرا جديدا لأنك الأجمل.
koniya.koniya@gmail.com
هوامش:
الشعاب: هو الولي الصالح المعروف بسيدي الشعاب، يوجد ضريحة بطريق الشط على شاطئ البحر في طرابلس، وقد قام المتشددون بهدم ضريحه.
الحفرة: أشهر منطقة في طريق الشط بطرابلس لبيع السمك الطازج، و تكثر فيها مطاعم السمك.
البدلة الكبيرة والصغيرة :بدلتان تقليديتان من الحرير تريديهما العروس الليبية مع الكثير من الذهب.
الزيوالي باللهجة الليبية : من لاسكن له وفقير ومعدم .
(كتب النص طرابلس أغسطس 2014)