- سعاد سالم.
إعادة ضبط العيلة
عائلات الوظائف
لأن مفردة العيلة تشعرنا بالدفء والاستقرار يحب أصحاب العمل والمديرين وصف طبيعة العلاقة بين الزملاء بالعائلية ،وذلك حتى لو كنت في الوضع الليبي المعروف ب : يا العيلة اللي أني منها !
كلما كان كرسي الباص الذي أستقله في المقدمة ،تكون الرؤية أكثر اتساعا من خلال شاشة كبيرة هي الزجاج الأمامي للباص ،ولهذا كنت مهتمة دائما بتحيات يتبادلها السائقون ،وإعطاء الطريق لبعضهم ،يحدث هذا بين موظفي شركة NS الهولندية ويشمل ذلك الترام أيضا حينما توازي سكته طريق الباص في الجهة المقابلة وأجد ذلك لطيفا ،ويصلني شعورهم بأنهم عيلة ، لأن تحياتهم لاتشمل سائقي حافلات من غير مجموعة NS. أعني قد تقول مثلي إنهم سائقوا حافلات زي بعض بغضّ النظر عن الشركة التي ينتمون إليها ، لكن سندرك أنه لا ، واللا ، قاطعة ، وهذا بالضبط حسب رأيي الفرق بين أن تكون فردا في عائلة NS ولست فردا في قبيلة سائقي الحافلات .
عائلات العمل التطوعي
أجلس في بهو الشركة التي سأعمل بها بخطاب من البلدية في انتظار المقابلة ، في الأثناء أنهت عاملة التنظيف الهولندية تنظيف المكان ، كنت حالمة ،ومملوءة بفكرة أن الأوروبيين وحسبما نعاملهم كقبيلة يرون كل الأعمال خير وفايدة ،وأن البطالة هي فقط المُزدراة ، فبادرتها : كيف تجدين عملك ؟ جيد أليس كذلك؟ فردت : لا ،لا ليس جيدا أبدا أن أعمل في النظافة ،كان ذلك في 2015 كنت حديئة الدخول في العالم الحقيقي للحياة في روتردام ، فأدهشني ردها وجفف سذاجتي الطازجة ،لاحقا وفي الكافتيريا الواسعة ، تلتقي كل الأقسام ونتفرق على الطاولات في مجموعات صغيرة أو كبيرة كل قسم على حدة ،كما لو كنا عائلات مختلفة في مطعم ، ربما لن ننتبه لأي منها ،قد تتبادل النظرات أو الابتسامات وحتى التحايا مع بعضها ولكن كل عائلة ستبقى على طاولتها وتستغرق في شئوونها ، لا أحد يشعر أنه ينتمي إلى قبيلة العمل التطوعي .
الرقم القَبَلي
في نهاية 2014 انضممت إلى المقيمين في هولندا برقم وطني ، مختوم على الجهة الخلفية لبطاقة التأمين الصحي ،وهكذا بدأ مشواري مع كل الحقوق التي يكفلها وبكفاءة هذا الرقم ، رقمي الوطني في البلدية التي أسكنها يعني أن لدى البلدية التي تمثل الحكومة مسؤوليات تجاهي ،أي أن تلتزم بوضعي على أول سلم الحياة الكريمة ،الكريمة وليست المرفهة ، والكريمة تعني السقف الذي أعيش تحته والرعاية الصحية ومبلغا ماليا يضمن لي الحصول على احتياجاتي اليومية ويفي بالتزاماتي ، ولو بقليل من التدقيق سأرى أنني حصلت في الواقع على عيلة ، لذا حين ألتفتُ إلى الوراء قليلا سأرى أن ماحصلت عليه في بلادي هو رقم قبلي حيث لايعني سوى أنني فرد في قبيلة ، أي أن السلطة نفضت يدها من مسؤولياتها تجاهنا كأفراد وتركتنا ندّبروا روسنا ، كما تفعل القبيلة ، فأنت تعيش لها وتحتاجها ولا تراك كفرد إلا لتلبية حاجاتها ،ولا يهم صفتك أو منصبك أو شهاداتك فأنت في خدمتها،وأنت لاشيء من دونها وستضيع في حال طردتك،وستظل طوال حياتك ( ناكر أصله) في حال تجرأت على التبرؤ منها .
المدنية لو شئتم
العيلة تخدم الفرد ،القبيلة يخدمها الفرد ، هذا ملخصي لمحاولة التركيز على وضع المجتمع الليبي في نظام العائلات لا القبائل ، بنيّة دفعه ليتحرك أفراده بإرادتهم الحرة إلى الأمام .
لماذا العيلة ؟ لأن العيلة مستقلة وأعضاؤها مستقلون وتشجع على الاستقلال عنها ولايمكنها التبرؤ من أعضائها فالفرد فيها يظل منتميا لها بيولوجيا أوقانونيا أو بكليهما .
لأن العيلة تلجأ للقانون في الخصومات حتى بين أفرادها .
لأن مسؤولية العيلة في التربية وتعليم قيم التعايش والاحترام المتبادل والأخلاق كاملة ، وأن الخارج عن مسارها الأخلاقي (عدم الإضرار بالآخرين وعدم التدخل في شؤونهم ) أو القانوني (دستور وتشريعات) من أفرادها لاتتسامح معه في المسار اللا أخلاقي ،وفي مساره القانوني تؤازره كواجب ومسؤولية تجاه هذا العضو ولكن لاتنصره أو تنتصر له إلا في إطار القانون، وتقبل بالأحكام أو ترفضها أيضا وفقط في إطار مايسمح به القانون.
لأن العيلة تندمج مع عائلات أخرى وعلاقاتها نديّة ،القبيلة تنحو للسيادة بعضها على بعض ،وهذا إن شئتم أبرز الاختلافات الجوهرية بين النظامين.
لأنه وفي مجتمعات العيلة توجد صداقات وعلاقات أدق وصفا وتحديدا أما القبيلة تتجاهل العيلة ،بالتالي تتجاهل الفرد (رأيه ،أفكاره،واختياراته) وتلغيه حرفيا كفرد.
لأن العيلة تسعى ليستقل أفرادها عنها ،وفي ذات الوقت تظل حائطهم الذي يسندهم كلما دعت الحاجة.
لأن العيلة مبنية على أساس الاستقرار ،فتعمل على كل مايستوجبه هذا الاستقررار من تعاون ، سلام ،انضباط ، حرية ،مسؤولية ورفاه .
تنبيهات، أكيد .
القبيلة أيضا عقلية ،وطريقة تفكير ،وسلوك ،كما وأنها نظام حكم شمولي، الفرد فيه رقم تحت خدمتها .ففي البلدان التي تتعامل مع أفرادها كأرقام في خدمتها تتفكك وتنهك بكل أمراض وتداعيات سعي هؤلاء الأفراد لتحقيق مصلحتهم الشخصية بتبنيهم مبدأ الإغارة والاستحواذ والأفضلية والشعور بالاستحقاق وكلها تعد من أسس نظام القبيلة الذي فرضه ظرفها التاريخي ويفترض أنه انتهى .
كما وأنه على جانب دعائي مهم ، تتعرض العيلة كنظام إلى السخرية بقصد أو بدونه ، ففيما لو فكرنا في تعبير هبط من مكان ما، وانتشر بغرضية مثيرة للانتباه يقول : عيلة وخالها ميلاد ، سندرك أن التشنيع بميلاد ،والهزوة عليه فقط لأن ميلاد لا يتصرف كشيخ قبيلة ،بل كفردٍ في العيلة ، فضلا عن أن التعبير حطّ من مكانة الخال الذي وضعته القيم الليبية عبر تاريخ طويل مقام الوالد، إي نعم الخال والد ياعيلة ،لو لم تلاحظوا ، غير أنه ووفقا للواقعية الاقتصادية فإن العملة الرديئة دائما تطرد العملة الجيدة من السوق ، وذلك بصرف النظر عمن طرحها للتداول لأنها ستستقر في جيبه وإن بعد حين.