روح البِشْ كُطّي!

                                                   روح البِشْ كُطّي!

تَنّوَه 

مايشبه ترسب التجارب والمعرفة

سعاد سالم

حلت الـ بيكنغ باودر (البيكنجبوودر بنطقها المحلي)، مكان الاسم الزمني روح البشكُطّي (البسكويت)، نفس الكيس وبنفس الحجم الموجود الآن ولكن تسمّيه الليبيّات روح البِشْكُطّي،ذلك لأنه ينفخ العجينة ويعطيها الحياة، للحقيقة أنا مغرمة بتلك النسوة اللاتي أورثننا لغوة بها كل دلالات ليس فقط العمق والمعرفة، بل والشِعرية المفتَقَدة في الكثير من القصائد.

البصمة

تخلينا كعائلة ومنذ زمن عن فكرة اصفُّر المقروض ولغريّبة، انتهى مشهد تحسس أمي بأصابعها للسمادينا وان كانت فعلا من السميد أو كما حدث مرة وكانت نتاج طحن الذرة فلم يشرب المقروض العسل، وما عاد والدي وإلى أن رحل، يشغل باله بمواعيد الكوشة وبتوفير بضاعة لحلاوات، والتي تعد وتحصى بحسب الموضة التي تطور بها تقديمها، لذا لحلاوات بما فيها الذبلة والحجيّبات انضمت جميعها إلى صوفرة البكلاوة، تأتي جاهزة من المحال الشهيرة، أو من بيوت موثوقة،  تجنبا لما يترتب على تجهيز حلاوات العيد في البيت من جهد وفوضى وتعب، خصوصا في الأسبوع الأخير من سيدي رمضان حين تضاف إلى مهام لفطور، وأتصور أن هذا الطقس الذي انشغلت به أغلب البيوت بات من الماضي حتى في وجود الاستثناءات، وذلك كما جرى معنا كعائلة من تغييرات بسبب تغير مواعيد الشهور القمرية وبالتالي تنقل شهر الصيام وتداخله مع الدراسة، ومحدودية الوقت الذي نملكه لإنخراط المزيد منّا في العمل،أو لصحوة إنتباه للذات، فنفضل شراء الوقت وراحة البال،  بالتالي فقد هذا الطقس الذي هو جزء من روح الأمة في مشهدها العام مريديه، وعمالته المجانية، قبل ذلك ،كانت مراهقتنا كبنات طبقة وسطى، مليئات بالطاقة في بلد ميت بالثمانيتات وما بعدها وقود المطابخ في عطل الصيف، ووسيلة لتفريغ تلك الطاقة في مسئوليات تتزايد كل عام، وعلى نحو ما، تحولت تلك المسئوليات، من عارض جانبي إلى أسلوب حياة، وبصمة لا يخلو منها بيت. 

الأسطورة الليبية

الروح مفردة لها أداء خاص في لغتنا المحلية، إنها ليست تحيي الكعك و الباسطي وكل شيء تدخله ،إنما تشير دائما للفعل الذي تختص به الروح وتأثيرها في ثنائية الحياة والموت واقعا ومجازا وتوريةً ، وهي تعشّق المشاعر و المفاهيم والمشاهد، فمن التعبير (فيه الروح) بمعنى فيه الرجاء أو ينقبل، إلى (إنّفَخ ربّي في صورته) بمعنى التعافي، مرورا ب ( روحها/ه حلوة) بمعنى الانتباه إلى أصل الجمال، إلى يا رووحي بواوها الممطوطة وتقال في مقام التعاطف، إلى كلمات أغنية حميد الشاعري حبيبي روح السمارة، وقبله الزمزمات، إلى الود في التعبير المستنكر :شايف رويحته أي متكبّر، إلى إنفخ الرويحة في صورة تفصيلية للاستسلام للنهاية بهذا التعبير البليغ عن الموت.

الروح مفردة تشير بها الأمهات إلى المكان الحساس لأدولادهن الصبيان، أتذكر وأنا طفلة أن جارة حملت ابنها إلى حنّاي لتريها دُملا في أسفل بطن الرضيع، مستعملة كلمة روحه في وصف مكان الدُمل، وكما لابد انتبهتم لتلك اللغوة والتي ليست فقط مهذبة وعالية بل و حكيمة أيضا، لأن هذه الروح في رأيهن هي نقطة ضعف لدى الذكور صورنها في واقعية ومجازية وتورية بمنتهى البلاغة ، متخليات عن أساطير أمم أخرى وضعت نقطة الضعف في كعب أخيل، وفي شَعر شمشون .

إيتوس Ethos

هذا عنوان مسلسل تركي تابعته على نتفليكس منذ ثلاثة أعوام أو أكثر، وإيتوس بالانجليزية تعني : روح الأمة، فُتنت بالتعبير الإنجليزي الذي عرفته لأول مرة حينها، وظل المسلسل البديع الذي عبّر عنوانه الفاتن عن كل تفصيلة فيه، نقلة شخصية و تشخيصية بينما تتداعى كل ما في الذاكرة الخلفية لوعيي، تلك المشاعر الخاصة بالحياة التي عشتها وما زلت أنفتح عليها وأغوص فيها أكثر، وأكثر، إنها الملامح القديمة للعادات والتعبيرات والطقس المعرفي الذي أنتج لغته والتي أستخدمُها وأتعامل معها دون سوء فهم، لأني تشربتها، و دون شعور بالفوقية لأنها علمتني شم المعنى وتذوقه، و دون شعور بالخجل منها لأنها شكلّتني وحلت عقدة من لساني،  ودون أدنى تبجح شخصي أو دلالات سطحية، لأنها مَعرِفَة، كما وأن في الكثير من مناطق التعبير بها لا أحب إلباسها ثوب الفصحى الرسمي والذي سيبدو أحيانا ضيقا، أو مشمرا على لغوتنا الفاخمة.

روح الأمة

 روح كما يمكنني تفسير فهمي لها، تتمثل في :

الثقافة، والهوية الوطنية، 

وبصورة أكثر وضوحا، تشير روح الأمة إلى مفهوم القيم والمعتقدات والثقافة والأخلاق التي تحكم سلوك وعمل الأفراد والمجتمعات والمؤسسات، وحسبما أتصور يستخدم هذا التعبير في الغالب في سياق العلاقات، والتواصل الاجتماعي والسياسي والثقافي والتربوي والإعلامي، وبصيغة أخرى ، تعبر إيتوس أو روح الأمة عن الروح العامة التي تحكم حياة الأفراد والمجتمعات، وتصنع مشهدها العام .

حلاوات العيد

أخبرتكم فيما سبق ماذا يطلق الهولنديون على عيد الفطر، إنهم يسمونه عيد السُكُّر، تسمية لذيذة وترفع تلقائيا من هرمون السعادة ال- سيروتونين، ولكن تسميته بالعيد الصغيرة في لبلاد لها دلالة شعبية أكثر تشبعا بالرضا المصدر الحقيقي لهرمون ال- سيروتونين، وتسميته بعيد الفِطر  له دلالته الدينية والتي هى ختام الحدث الأهم وهو الصيام، لهذا عيد السكر او ساوكر فييست الهولندية ،هي تسمية مترجمة بناءا على الصورة التي يظهر فيها العيد، ترجمة منطقية عند أشخاص من معتقدات أخرى، إنهم يرون الصورة التي تحتشد بالحلو، تبادلها ، تناولها، تقديمها ، التي تضحك سكر وعسل ومَنّ وسلوى، لكن روح العيد هو الانتهاء من شعيرة دينية على خير، ربما بهذه الطريقة يمكن فهم كيف لشيء زي البكلاوة أو لغريّبة،أو المقروضة مع فنجان القهوة نهار العيد في ليبيا، أن يلخص معنى روح الأمة، لأن كل من يقع  منّا نظره على صورة الفنجال وحلاوات العيد، سيعرف طعمها ورائحتها ومعناها، وسيبارك النهار بمفردات لن يستخدمها في صبح ليبي عادي حتى لو صادفته نفس الصورة،أو المشهد: فنيجيل قهوة مع طريف غريّبة، أو بكلاوة  أو مقيريضة.

امعيّدين

ستلاحظون روح الأمة ،كما آمل في تهاني العيد الجندرية، إنها تستوستيرون وبروجسترون صدقوني،

عقبال داير مثلما كان بوي  يعيّد .وهى صيغة تهنئة يستخدمها الرجال، وصرت استخدمها اقترابا من بوي، واشتياقا لسماعها منه.

عيدكم مبروك مسعود وكل عام وانتوا حيين وصحيحين. كما لازالت تعيّد أمي وقبلها حنّاي بلغوة تستخدمها النساء لمّا تعيّد على ناسها وأحبابها.

بالفصحى والرسمية: كلَّ عامٍ أنتّن/أنتْم بخَيرٍ.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :