بقلم: د. فوزي صالح الصغير
ملاحظة: (بدايةً نأمل منكم إعطاء هذا المنشور شيئا من وقتكم وتفكيركم وأريد آراءكم واقتراحاتكم، لأن الموضوع يهمنا جميعاً، ويتعلق بأولادنا ومستقبل بلادنا ومن واجبنا التفكير فيه بعمق لتحديد المشكلة واقتراح الحلول وذلك من أجل غد أفضل).
الجامعة مقبرة … المهم عندي الشهادة… أنا نبي ورقة فقط… و الي تخرجوا شن داروا… أنا خادم على راسي.. أنا بوي عنده.. القراية معاد تنفع…
جُمل وعبارات كثيرة وخطيرة يتداولها الشباب وطلبة الثانوية بالذات ليعبروا عما بداخلهم من إحباط وعدم الثقة للدخول في مرحلة التعليم الجامعي
فهل سألنا أنفسنا لماذا هم هكذا؟ وما هي الأسباب التي جعلتهم يفكرون بهذه الطريقة؟
حسب وجهة نظري المتواضعة الأسباب كثيرة ومتداخلة وهي نتيجة لانهيار المنظومة التعليمية في الدولة إذا أردت أن تبني مبنى كبيرا وعاليا فيجب عليك أن تضع الأساسات القوية في البداية وبناء الإنسان كذلك يبدأ من المراحل الأولى في التعليم، ولن أكون مبالغاً إذا قلت إن أساس التعليم يبدأ من قبل دخول الطفل إلى الروضة.
إن مشكلة تدني التحصيل العلمي مشكلة عامة وتراكمية تعاني منها معظم مؤسسات التعليم الليبية، لأن الطريقة المتبعة وخاصة في السنوات الأخيرة في التعليم الأساسي هي طريقة التلقين وضخ كم كبير من المعلومات والحقائق إلى الطالب دون تدريب العقل على التفكير والإبداع، و ليس كما قال البيرت انشتاين (التعليم ليس تعلم الحقائق؛وإنما تدريب العقل على التفكير) أو كما قال العالم البرازيلي كرسنمرتي (التعليم الحقيقي هو تَعلم كيف تُفكر؛ وليس تَفكُر ما تعلمت)، بينما طريقة التعليم في معظم الجامعات الليبية لازالت تتبع الطريقة التقليدية و بالأسئلة المقالية والتحليلية التي تُعلمهم الإملاء والخط والتعبير والتفكير في حلحلة المسائل وبالتالي تدريب العقل على التفكير ونتيجة عدم استخدام هذه الطريقة، نتَج عنها الإملاء الضعيفة واللغة الركيكة لدى كثير من حملة الشهادات وللأسف حتى العُليا منها وكذلك أصبحت الجامعة كابوسا لطلبة الثانويات الذين لا يملكون الثقة في أنفسهم لخوض هذه المرحلة،
في الوقت الذي انتشرت فيه بيع الشهادات المزورة والجامعات العامة الضعيفة والخاصة التي تتخذ من شعار ادفع وخوذ شهادة وكذلك الفساد الإداري والمالي في الدولة والذي استغنى منه آلاف الليبيين كما أشار لها ممثل الأمم المتحدة غسان سلامة في تقريره حول ليبيا (في ليبيا يولد مليونير يومياً) مما شجع الشباب على العزوف عن استكمال دراساتهم.
سأشاركم هنا وأتكلم عن تجربتنا كمثال واقعي علنا ونحدد الخلل ونقترح الحلول.
وسأبدأ بالنتيجة قبل الأسباب التي أوصلتنا لما نحن فيه اليوم.
في عام 1988-1989 أدخلنا عشرين طالباً إلى سنة ثالثة علمي في مدرسة هون الثانوية (مدرسة عبدالله الهوني اليوم) تخرج منها ستة أطباء واثنان دكاترة في الهندسة و سبعة بكالوريوس في علوم مختلفة وضابط والآخرين كلهم نجحوا في حياتهم العملية، السؤال هنا لماذا هذه النتيجة؟
في تقديري، يرجع هذا النجاح إلى أولئك المدرسين الأكفاء المتخصصين الذين تعاقدت معهم الدولة في منتصف السبعينيات إلى نهاية الثمانينات من القرن الماضي والذين وضعوا الأساس الصحيح في ذلك الوقت في مراحل التعليم الأساسي والذي وضعت عليه كل لبنات العلم في الداخل والخارج لاحقاً.
وهنا سأذكر بعض الحقائق والغرض منها هو تسليط الضوء على أصل المشكلة وليس الإنقاص في حق بعض الإخوة والزملاء.
في مرحلة من مراحل التعليم لجيلنا كان من لا ينجح في الثانوية العامة يتجه إلى معاهد المعلمين والمعلمات وهنا بدأت المشكلة وتخرج بعض المعلمين غير الأكفاء وتضاعفت المشكلة في حقبة أخرى عندما تم تعيين خريجي الجامعات من الأقسام التطبيقية كمعلمين في مراحل التعليم الأساسي دون النظر إلى عدم تأهيلهم ودراستهم لطرق التدريس وعلم النفس وغيرها من العلوم التي يحتاجها المعلم.
إذاً مشكلة تدني التحصيل العلمي هي نتيجة لعدة أسباب سأذكر منها وأتطرق لبعض منها الخاصة بالمعلم وإدارة المدرسة والوسائل التعليمية والمنهج والمنظومة التعليمية بما فيها النشاطات المدرسية.
أولا : أسباب تتعلق بالمعلم.
في تقديري أن المعلم هو أهم الأسباب في تدني التحصيل العلمي لدى أغلب الطلاب وذلك لعدة أسباب منها أن المعلم ليس متخصصا في مجال التدريس المُكلف به حيث لم يتم إعداده الإعداد الجيد مما يجعل أسلوبه وطريقة معاملته للتلاميذ غير جيدة وطريقة عرضه للدروس ركيكة وقلة استخدامه للوسائل التعليمية والتوضيحية مع أهميتها وضرورتها للتلاميذ في تدريبهم على التفكير ومنهم عكس ذلك يُغطي نقصه باستخدام العبارات السلبية والاستهزاء بأسئلة التلاميذ والطلاب مما يجعلهم يترددون في طرح استفساراتهم وأسئلتهم في الدروس التي يتعلمونها
ومن أسباب تدني مستوى الأداء لدى كثير من المعلمين هو غياب دور ذوي الاختصاص من المفتشين والموجهين الذين يقومون بتقويم وتحديد مواطن الضعف لدى المُعلم.
كذلك من الظواهر المنتشرة هو عدم إكمال المُعلم لكثير من المناهج مما أجبر كثيراً من الطلاب إلى اللجوء إلى الدروس الخصوصية وخاصة لطلبة الشهادات لأن الامتحانات تأتي من المركز الوطني للامتحانات و تشمل كل مفردات المنهج المقرر.
ثانياً: أسباب تتعلق بالمنهج :
التعديلات المتكررة والتغيير في المناهج دون النظر إلى قدرات المُعلم وعدم إعداده الإعداد الجيد بإعطائه دورات تأهيلية تُمكنه من تدريس تلك المناهج جعلت من المُعلم، مع احترامي الشديد له، أداء تردد ما هو مكتوب أمامه بدون فهم لما يقول.
كذلك الوعاء الزمني للمنهج في معظم الأحيان لا يتناسب مع مفردات المنهج مما يجعل اهتماما كثيراً من المعلمين هو أن يُكمل المنهج دون التركيز على مدى استيعاب الطلاب لتلك المفردات.
ثالثاً : أسباب تتعلق بالأسرة : إن للأسرة الدور الأكبر في زيادة أو تدني مستوى التحصيل العلمي لدى كثير من الطلاب وطريقة التعامل الخاطئة من قبل بعض الآباء والأمهات التي قد تقلل من الطموح الشخصي لدى الأبناء لتحقيق الأحسن والأفضل وخاصة عند إ وخاصة عند إجبار الأسرة لابنهم على دراسة تخصص معين ليس من رغبته وخاصةً بعد المرحلة الثانوية.
كذلك عدم التعاون بين الأسرة والمدرسة في أغلب الأحيان في عدم متابعة أبنائهم يُسبب الإهمال والتغيب المتكرر عن المدرسة وممارسة تصرفات ليس للأسرة دراية بها وبالتالي إهمال التلاميذ والطلاب لدروسهم، مما يترتب عليه ضعف في تحصيلهم التعليمي.
كذلك من الأسباب التي تؤثر على الطلاب في بعض الأحيان ارتفاع المستوى المعيشي عند بعض الأسر مما يجعل أبناءهم يظنون بأنه لا داعي للدراسة والشهادة وبذل الجهد والسهر لأن أسرته أمنت له مستقبلا معيشيا جيدا.
و في أحيان أخرى، تكليف الابن من قِبل أحد الوالدين بأعمال لها علاقة بدخل الأسرة كالإشراف على المزرعة أو المحل أو الورشة أو غيرها مما يجعل الطالب يتعامل مع المال ، هذا يجعل الطالب يعتقد أنه قادر على الحصول على المال في أي وقت وأن مستقبله مضمون وليس بحاجة للتركيز على الدراسة.
رابعاً: أسباب تتعلق بالطالب:
ولعل انتشار استخدام الهاتف المحمول في المدارس الإعدادية والثانوية وأحيانا حتى المدارس الابتدائية من الأسباب المؤثرة تأثيرا مباشرا على التحصيل العلمي لدى التلاميذ ومن الأسباب المهمة في تشتيت الذهن والتركيز عند الطلاب في المدارس وخارجها وجعلهم يفكرون بأمور غير الدراسة والدروس .
يقول المثل، قل لي من تُعاشر أقل لك من أنت. فأصدقاء ورفاق التلميذ أو الطالب لهم دور كبير في الاهتمام بالتعليم من عدمه.
خامسا: أسباب تتعلق بالإدارة المدرسية :
إن للإدارة دور مهم في رفع أو تدني مستوى التلميذ أو الطالب ، حيث أن للإدارة دور فعال ومهم في نجاح العملية التعليمية من عدمها.
إن إدارة المؤسسة التعليمية هي قدوة المنتسبين من معلمين أو متعلمين أو عاملين، فإذا صَلُح المُدير صُلح البقية.
قال لي مدير مدرسة يوماً ما، عندما كنت أحد أعضاء مجلس أولياء الأمور بالمدرسة، “أنا لا أستطيع الحضور إلى المدرسة قبل الساعة التاسعة والنصف لأنني لا أستطيع الاستيقاظ قبل ذلك” !!! فما هو حال المُعلمين والتلاميذ في تلك المدرسة؟ وخاصةً في ذلك الصباح !! وسأترك لك أخي القارئ توقع النتائج..
في حالة مشابهة و في مرحلة تختلف عن سابقتها رفض مدير المدرسة في عدة محاولات الاجتماع مع مجلس أولياء الأمور لمناقشة بعض النقاط والملاحظات من أولياء الأمور والتي تخص العملية التعليمية بالمدرسة واعتبارها إنقاصاً وتشكيكاً في أمانته العلمية! مما أثر تأثير مباشراً في العلاقة ما بين الأسرة والمدرسة.
فاختيار المدير وتأهيله وإعداده الإعداد الجيد وإعطائه دورات تأهيلية له دور كبير في التأثير على التحصيل العلمي للطلاب
سادساً: غياب الأنشطة المدرسية مثل النشاط الرياضي والثقافي والفني والرحلات الاستطلاعية …. الخ ..
إذا تم التركيز في الأجيال السابقة لوجدنا أن جُل الإعلاميين والصحفيين والكتاب والمُفكرين واللاعبين و صقل مواهبهم وهواياتهم بمشاركتهم في النشاطات المدرسية حيث تنمو لديهم الثقة في أنفسهم من تلك المشاركات وهكذا يكون للنشاطات المدرسية تأثير مناسب في التحصيل العلمي وتدريب العقل على التفكير والإبداع.
ختاما: إن العملية التعليمية عبارة عن رسالة من مُعلم مُتخصص وأهداف من منظومة تشرف عليها الدولة وتحتاج إلى بيئة أسرية ومدرسية مُتوافقة لكي نصل إلى ما نصبوا إليه من نتائج لبناء جيل المستقبل يلبي احتياجاتنا المستقبلة من أجل حياة أفضل.
آسف على الإطالة وأتمنى أنني حددت بعض مواطن الإخفاق لاقتراح بعض الحلول المستقبلية لمنظومة تعليمية منهارة تحتاج لإعادة النظر.