بقلم :: ابراهيم عثمونة
لو امتد ظهر يدك إلى الجدار القريب من رأسك لا يلسعك بالبرد ، لالا ، في سمنو / الجدران والأبواب والنوافذ وحتى حديقة المنزل وما فيها من قطط وديك ودجاجتين يتعاطفون معك ضد الحمى . لكن ما حدث معي أمس في بيتي بطرابلس كان العكس . حتى بلاطه ومقابض الأبواب وحواف حوض الوجه كانت باردة جداً . وفجر اليوم حين شعرتُ بتحسن وتبدد الحمى عن جسدي قمتُ أجوب أركان بيتي وأسالها لما فعلت هذا ؟!!
وقفتُ على حوض الوجه أسأله لماذا ضدي وليس معي ؟!
الشيء الجميل في طرابلس أنك لو مرضت تجد مَن يضع يده على جبينك ويتأسف ثم يحقنك بحقنة ، في الجنوب لا تجد حقنة ولا تجد طبيباً . كل الأطباء – إلا ما نذر – هاجروا إلى طرابلس ، لكنك قد تجد هناك جدران تسهر معك ، وتسمع أدوات المطبخ وأدوات الحمام وأدوات أخرى بالبيت تصطك معك كما تصطك أسنانك.
قبل يوم أمس الذي بركت فيه الحمى عليَّ ، كنتُ أعرف أنني في خصومة مع طرابلس وأن بيتي فيها هو جزء منها وليس جزء مني ، لكنني ما تصورتُ أبداً أن تتعاطف جدران البيت مع الحمى ضدي.
لا بأس ، قلتُ لا بأس ، فأنا أيضاً أكون أحياناً قاسياً على هذه المدينة التي عوّل عليها الليبيون كثيراً ، لكنها في كل مرة كانت تثبت أنها تعرف فقط كيف تأخذ ، وحتى كيف تحتفل….
ثمة فرق كبير بين الزاوية وطرابلس وبين مصراته وطرابلس وبين بنغازي وطرابلس…
اعرف أن مثل هذا الكلام قد يستدعي الحمى لي مرة أخرى ، وهذه المرة لو عادت فقد تكون أكثر حمى ، ولكن سواء عادت أو لم تعد فأنا إذ ألوم طرابلس هذا يعني أنني أحبها وأريد منها أن تقوم بشيء يليق بمكانتها . فالحلول والمبادرات اليوم لا نسمعها إلا من مدن أخرى ، بل حتى الإغاثة التي تسير إلى هنا وهناك كانت تخرج من زليتن من البيضاء من الزنتان وجادو ومدن أخرى ، ولا أذكر أن طرابلس سيرت قافلة إغاثة هنا أو هناك.
افعلي أي شيء يا طرابلس ولا تحتفلي ، فـ تونس العاصمة لا تحتفل حتى في زمن بورقيبة وليس في صحرائها نفط ولا ماء ، وأنت لم تكفي عن الاحتفالات منذ القذافي وفي صحرائك النفط والماء.