بقلم :: عبد الرحمن جماعة
تكمن لذة الحياة في الوهم، فالحقائق غالباً ما تكون مؤلمة، وأتعس الناس هم الراكضون خلف الحقيقة، لأن الحقائق نوعان؛ نوعٌ لا يُمكن إدراكه، ونوع آخرتفسد لذة الحياة بإدراكه.
فالساعي خلف الحقيقة إما أنه سيشقى بإدراكها، وإما أنه سيشقى بعدم إدراكها، فهو شقي في كلا الحالين، أو هو بين شقاءين لا سعادة بينهما!
والباحث عن الإجابات كالباحث عن العسل من مؤخرة الدبور، ففي أحسن أحواله لن يظفر بالعسل، وفي أسوأها ستناله لسعته.
فالكثير من الحقائق تسوؤك معرفتها، ويؤذيك إدراكها، ويصدمك الوصول إليها، فلا ترحل لبغيتها، وكن كذات البو، واقنع بما لديك، ولا داعي لأن تفصفص كثيراً، أو تنبش طويلاً، فلعل النبش يُخرج لك ما تُذبح به!
روي أن عمر بن الخطاب ورد حوضاًمع عمرو بن العاص، فقال عمرو لصاحب الحوض: يا صاحب الحوض؛ هل ترد حوضك السباع؟ فقال عمر بن الخطاب: “يا صاحب الحوض؛ لا تخبرنا.
فاللذة وهم، والجمال خدعة، والعدل كذبة، والصفاء هو العمى عن الكدر، والسعادة هي غض الطرف عن الشقاء، (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور)!
أسعد اللحظات هي التي قضيتها مع سيجارتي، أقبِّل كعبها، فيشتعل رأسها وتلد دخاناً سرعان ما يختفي، تماماً كأحلامي!
أذكر أنني ضحكت على نفسي حين كنتُ أبحث عن تعريف للوهم، فهل يُمكن للوهم أن يُعرَّف؟ لكنني صُدمت حين قرأت تعريف (نيتشه) للوهم بأنه: “كل ما أنتجه الإنسان من معارفٍ ناتجة عن رغبته اللاشعورية في البقاء”.
فالرغبة في البقاء والخلود هي سر الوجود، ولكن حين تتجاوزهذه الرغبة حدودها، وتتعدى مداها، فإنك ستصطدم بجدارة الحقيقة التي تقول لك صراحةً وبكل وضوح: إنه لا بقاء.. ولا خلود.
فلا تكن مثل جلجامش الذي أضاع متعة الحياة في البحث عن الخلود، وفي نهايةالمطاف عاد من حيث أتي.
الإنسان الذي يذم الوهم ويرفضه، هو نفسه الذي يقبله ويتعايش معه، لأن رفضه للوهم هو في حد ذاته وهمٌ من النوع الثقيل.
والإنسان الذي يخبرك بأن الخل الوفي لا وجود له إلا كوجود الغول والعنقاء، هو نفسه الذي يسرد لك قائمة من الأصدقاء والأخلاء، يمتدحهم ويُثني عليهم!
والإنسان الذي يدعي بأن المال لا قيمة له في الحياة، هو نفسه الذي أنهك رَحله، وأفنى عمره، وأذهب شبابه وصحته في الركض خلف الدرهم والدينار!
فسرُّ الحياة، وسر لذتها، وسر جمالها في الوهم.. كما يقول الشاعر:
“إن أردت السر فاسأل عنه أزهار الخميلة
عـمرها يوم وتحـــــيا اليوم حتى منتهـاه”
أتعرفون لماذا؟
لأن أزهار الخميلة لا تحمل جراباً من الأسئلة!.