هو موسى هو الحاج موسى

هو موسى هو الحاج موسى

عبدالرحمن جماعة

الأصل بقاء الشيء على ما هو عليه، هذه قاعدة من قواعد أصول الفقه، ولكن قبل أن تكون قاعدة أصولية، هي قاعدة منطقية عقلية.

في الفقه أن الأصل في الإنسان براءة الذمة، فلا يُفترض غير ذلك حتى يثبت خلاف الأصل، والأصل في الأشياء الإباحة، فلا تحريم إلا بنصٍ قطعي، والأصل في المتوضئ بقاء وضوئه، فلا يزول اليقين بالشك!.

وهذا ليس موضوعنا!.

وفي البورصة إذا ارتفع السهم أو انخفض فالأصل هو الاستمرار فى نفس الاتجاه، وهذا ما يعرف بالترند!.

وهذا أيضاً ليس موضوعنا!.

وفي المثل الشعبي: “هو موسى هو الحاج موسى”، هذا المثل بُني على قاعدة الأصل، فموسى لا يزال هو هو، وسيبقى هو هو، ولا يصح الحكم باستقامته حتى ولو حجَّ ألف مرة، ما لم يظهر منه سلوكٌ ينفي الأصل، وما لم يستمر في السلوك الجديد فترة كافية لإثبات أصل جديد، فذيل الكلب لا تقوِّمه قصبة، والماء لا يروب!.

إذا كنت تحلم أن يغيِّر حالك من لا همَّ له سوى تغيير نفسه، وإذا كنت تطمع في تحسين وضعك ممن لا غاية له سوى تطوير وضعه، وإذا كنت تنتظر الزيادة ممن بنى زيادته على نقصك، وإذا كنت تريد الوحدة ولمِّ الشمل ممن بنى مجده على الفرقة، فأنت كمن ينتظر العسل من (زكورة¹ بوفرفطة²)!.

صحيح أن الدبور يأكل العسل بشراهة، لكن مؤخرته لا تُنتج إلا الخراء، وزيادة كمية العسل الذي يلتهمه لا تعني إلا زيادة كمية الخراء، وهذا يعني أنه ليس بالضرورة أن تتماثل المخرجات مع المدخلات!.

إن نهم الإنسان لجمع المال لا يُمكن إشباعه، وحبه للاكتناز لا حد له، ورغبته في الامتلاك لا تنقطع، وإنما جعلت القوانين لتأطير هذه الغريزة، وتوزيع الفرص بشكلٍ عادل، فلا تكون الموارد متاحة لفئة دون أخرى، ولا يكون المال دُولة بين حفنة من الأغنياء، أو حكراً على القلة من الأرستقراطيين!.

وبالعودة إلى مسألة الأصل فإن كلماتٍ مثل نزاهة وعفة وزهد ووطنية لا معنى لها في الإدارة، ولا مكان لها في أي عملية إصلاح، ولا دور لها في النهضة، وإنما المعنى والمكان والدور للقانون فقط لا غير، لأن الإنسان محكوم بغرائزه، ولا يمكن الفصل بينه وبين نزواته، كما أنه لا يوجد مقياس حقيقي لدرجة الوطنية، ولا معيار لمقدار العفة والنزاهة، ولا ضابط لحد الزهد، وغالباً ما يُظهر الإنسان خلاف ما يبطن، ويقول ما لا يفعل، ويدَّعي ما ليس له، فلا شيء يُنظم حياة الناس مثل القانون، و”إنَّ الله ليَزَع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”³!.

إن إيثار الإنسان لنفسه وحبه لذاته هو الأصل، ولا يعني هذا إنتفاء خلاف الأصل، وإنما لا يُمكن افتراضه في حالة بعينها، ولا يمكن الاعتماد عليه، ولا الوثوق به، وحتى إن وجد في شخص فقد لا يوجد في غيره، وقد يوجد في نفس الشخص حيناً ويغيب أحياناً، فالإنسان يمر بحالات، وتمر به ظروف قد تُفسد خُلُقه، وتؤثر على سلوكه، وتُغير من طبعه، وتعيده إلى الأصل الذي نشأ عليه!.

إنَّ القانون هو القصبة التي تمنع الذيل من الاعوجاج، وإزالة هذه القصبة حتى على سبيل الاختبار والتجربة أو الفضول لا ينتج عنه إلا المزيد من الاعوجاج، ولا تعني استقامة الذيل في القصبة ولو طالت المدة أنه يُمكن أن يستقيم بدونها!.

لكن الأخطر والأسوأ والأنكى أن محاولة إعادة القصبة بعد إزالتها أمر في غاية الصعوبة، لأن الكلب ابن ستين كلب سيمنع وبكل ما أوتي من قوة ومن شراسة إعادتها إلى مكانها!.

وأخيراً.. فإن جميع الدول التي نهضت لم يكن نهوضها إلا بعدالة القوانين والصرامة في تنفيذها، وإلى أن نصل نحن إلى هذه المرحلة فإن الأصل هو بقاء كل شيء على ما هو فيه، واستمرار الحال على ما هو عليه.. إلى أن يرحمنا الله برحمةٍ منه!.

—————————

هوامش:

1زكورة = مؤخرة.

2بوفِرْفَطَّة = كنية الدبور.

3- الحديث لا يصح مرفوعاً، وقد اختلف في وقفه على عثمان أو على عمر رضي الله عنهما.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :