قصة صحفية : عبدالمنعم الجهيمي
حكاية السيدة غزالة مع الخياطة، سلسلة قصص سبهاوية.
لعل مهنة الخياطة من أكثر المهن نمطية، وقد اعتدناها حتى صرنا لا نهتم لتفاصيلها أو كواليس عملها، وصارت الخياطة في أذهان معظمنا عبارة عن ماكينة حديثة فقط، ولا ندرك تماما مدى التعب الذي يواجهه الخياط، وفي ذات الوقت لا ندرك مدى الفائدة العظيمة التي يجنيها الخياط من وراء هذه المهنة التي لا تحظى باهتمامنا أو انتباهنا، وهو ما دفعنا للبحث عن خيّاطة لها قصة مختلفة مليئة بالتحدي والتجربة والفشل والنجاحات.
امتهنت السيدة غزالة مفتاح بسبها مهنة الخياطة منذ أكثر من ثلاثين عاما، وكانت قد بدأت هذه المهنة كهواية في صغرها، تتعلم بعضها من والدتها والسيدات الكبار من أسرتها، ولم تكن في ذلك الوقت تسعى لجعل هذه المهنة مصدرا للدخل لها ولعائلتها، لذلك لم تتعلم كل تفاصيلها وفنياتها حتى العام 1995، بعد أن أتيحت لها الفرصة لتشترك في تدريب محلي عن الخياطة، تعلمت فيه أصول المهنة، بدءا من أخذ القياسات وقص القماش وعملية التصميم وتنفيذ التصاميم، وكيفية اختيار القماش وقصه بالطرق المهنية التي تتبعها خطوط الخياطة.
غزالة مفتاح ” بعد ثلاثين عاماً في مجال الخياطة أطمح لتصميم الأزياء “
تقول غزالة بعد التدريب الأول بدأت العمل في البيت بخياطة الملابس لنساء الأسرة والصديقات ومن يعرفني من الحي، وظهر لي أن هذا العمل يمكن أن يدر عليَّ دخلا جيدا، ولكن ذلك لم يكن ممكنا في ظل اقتصار عملي على المعارف والأقارب وبعض من يسمع عني بين الحين والآخر، ورغم أن عملي كان متقنا إلى حد كبير غير أنه مقتصر على عدد محدود، كنت دائما بحاجة لمعرفة كيف أستطيع تطوير عملي وتعزيز المشروع الذي بدأته.
غزالة لديها بنتان وثلاثة أولاد، وقد كبروا وصاروا طلبة في الجامعة، لذلك تقول إنها بحاجة لتنويع وتعزيز مصادر دخلها حتى تتمكن من إكمال تعليمهم وتزويجهم، فضلا عن إنها لا تملك وظيفة حكومية أو مرتبا من الدولة، فهي ستعتمد على نفسها وعملها في كل شيء، يساعدها في ذلك أنها تلقى الدعم من أبنائها وبناتها، لذلك تتعلق كل تفاصيل حياتها بهذا العمل، فهي تخيط على الدوام إما في البيت وإما في مشغلها.
تقول كانت أولى الخطوات حين دخلت للتدريب في إحدى الجمعيات المحلية عن إدارة الأعمال، استفدت منه كثيرا حول كيفية إدارة مشروعي ووضع خطة لضمان دخل منتظم من خلاله، وفي هذا التدريب تعرفت على مديرة منظمة نقوش فزان التي أخبرتني أنها في إطار تنفيذ مشروع تدريبي مع منظمة الهجرة الدولية حول مهارات التسويق الإلكتروني، كان هذا المصطلح جديدا تماما لدي، ولم أسمع به من قبل.
تبتسم غزالة وهي تقول إنها في هذا السن ومعرفتها المحدودة عن عالم التواصل الاجتماعي والكمبيوتر كان من الصعب عليها أن تستوعب مصطلح التسويق الإلكتروني، إذ كيف لها أن تسوق لمشروعها في عالم لا تعرف عنه شيئا بشكل شبه كامل، ومع ذلك شعرت بالتحدي وبأنها ستستطيع دخول هذا المجال وتعلمه، وقبل أن تبدأ التدريب جلست إلى بنات العائلة والأقارب لتتعلم ولو بدايات التواصل الاجتماعي، تقول إنها عندما حضرت أول أيام تدريبات منظمة الهجرة الدولية كانت قد امتلكت حسابا على فيسبوك وصارت تعرف أمورا مبدئية عنه.
لعدة أسابيع استمر تدريب منظمة الهجرة الدولية الذي نفذته منظمة نقوش فزان عن التسويق الإلكتروني، تقول رئيسة المنظمة آمنة الزعيتري إن المتدربين كانوا من أصحاب مشاريع رائدة ومهمة في المدينة، ولكن غزالة كانت الأكثر تميزا، ففي عمرها وبلباسها التقليدي كانت مثيرة للاهتمام، كما أنها زادت من حماس الشباب في التعلم والمنافسة على تعزيز مشاريعهم والتسويق لها، وهو ما ظهر في مخرجات التدريب الذي اجتازه الجميع، فكلهم تقول آمنة قد صاروا يمتلكون أدوات مهمة في التسويق لمشاريعهم عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي المختلفة، وقد لمسنا هذا في مشروع السيدة غزالة.
حظيت غزالة بتسلم معدات من المنظمة الدولية للهجرة عبر مشروع تنقل العمالة والاندماج الاجتماعي (LMI)، شملت ماكينة خياطة ومانيكان ومكواة، هذه المعدات ساعدتها على تطوير مشروعها وكانت نواة جديدة لتطوير هذا المشروع، كما ساعدتها على الانتقال لمقر جديد يتناسب مع توسع أعمالها، تقول إنها استقرت في مقرها بحي المنشية بالقرب من سوق الأقمشة وسط المدينة، فصارت قريبة من المحلات التجارية المختصة ببيع القماش والصالونات وغيرها، وهي أماكن ترتادها في العادة نساء المدينة، مما يجعل مشروع السيدة غزالة الأقرب لهن في ذلك الشارع الحيوي، كان هذا مما تعلمته خلال التدريب.
تشير غزالة لجهاز الكمبيوتر المحمول خاصتها، الذي تسلمته من منظمة الهجرة الدولية بعد اجتيازها التدريب، وترينا صحة مشروعها على الفيسبوك، وتخبرنا كيف صارت تعد المتابعين وكيفية عمل الإعلانات الممولة، وكيف تتفاعل مع المعلقين والذين يتراسلون معها حول العمل، وتتحدث عن ازدياد اهتمامها بتصوير أعمالها ونشر تلك الصور في قصة صفحتها أو في مقاطع ريلز، تقول إنها صارت أكثر ثقة بعملها ومهنتها، وأكثر قدرة على عقد اتفاقات عمل كبيرة ومختلفة عن ذي قبل، فقد تعاقدت معها بعض المدارس المحلية لخياطة الأزياء المدرسية.
تجلس خلف ماكينة الخياطة وتقول إنها تتوقع أن تكون الفترة المقبلة مختلفة عن كل ما سبق فيما يخص العمل وتطويره ليشمل مساحات أكبر وعددا مختلفا من الناس الذين يثقون بعملها، تشعر غزالة أنها تجاوزت حلمها الذي كان مقتصرا على نساء العائلة وبعض الصديقات، وصار حلمها الآن أن يكون لها مشغل خياطة أكبر وأن تفصل وتصمم أزياء من تصميمها وتصل لكل مناطق الجنوب، ولعل هذا الحلم صار ممكنا للسيدة غزالة بعد أن دخلت عالم التسويق الإلكتروني وصارت تملك مفاتيح مختلفة قد تمنحها وسائل وطرق أسرع للوصول.