- محمد عمر بن اجديرية :: رئيس تجمع ليبيا الأمل
: تأصيل معرفي
بات الكثير من الليبيين يدركون، أن الأزمة الليبية التي تكاد تنهي عامها التاسع، دون أن تلوح بارقة أمل في الأفق توحي بقرب نهايتها، هي إشكال وجودي يفصح عن خلل بنيوي رافق نشأة الدولة المدنية في ليبيا منذ الإستقلال مطلع خمسينات القرن المنصرم وحتى الآن!فلولا وجود خلل تعاقدي بين أفراد الشعب لما وقع تغيير سبتمبر 1969، ولولا وجود خلل بين يستدعي التغيير لما وقعت أحداث فبراير 2011.
سطوة الحضور الخارجي في الأزمة الليبية، والذي يسميه بعضنا مؤامرة، وطرف ثانٍ يراه تدخلا سافرا في الشأن الليبي، في حين يعتبره طرف ثالث مساندة ودعم، لا يلغي حقيقة أن هناك خلل واضح، فلولا وجود ذلك الخلل العضوي لما فتح الطريق أمام المؤامرة أو التدخل السافر، ولما انقسم الشعب الليبي وتعددت مواقفه، ولما تقاتل فيما بينه طيلة تسع سنوات.وجود ذلك الخلل البنيوي هو ما شكل أرضية لذلك التدخل السافر في مسار الأزمة الليبية، فلو أننا كليبيين تمكنا من الإنتقال على المستوى الإجرائي وعلى مستوى العقلية من مرحلة البداوة إلى مرحلة الدولة المدنية ذات الخصائص المكينة، لحصنا أنفسنا من أية هزات كالتي نعايشها منذ قرابة العقد والتي تكاد تطيح بحاضرنا ومستقبل أطفالنا، فدولتنا خلال حقبتي الملكية والجماهيرية كانت تدار (داخلياً) بعقلية شيخ القبيلة، وما ترتب علي ذلك من منطق الدولة الريعية المالكة لكل شيء! وفاقم من الوضع تقاعس النخبة الثقافية عن أداء دورها التنويري في المجتمع، الأمر الذي جذر الإستبداد والتفرد بالسلطة من قمة الهرم إلى أدنى رتبة في السلم الوظيفي في ليبيا.الدولة الحديثة عبارة عن دولة مدنية يتعايش أفردها فيها بطريقة سلمية وفق عقد إجتماعي (دستور) ينظم العلاقات بين كافة مؤسسات وأجهزة وإدارات الدولة وبين المواطنين أنفسهم وهذه السلطات أو المؤسسات. تعزز مفهوم التعايش السلمي والتبادل على السلطة والإدارة الأهلية والشفافية ودولة القانون وإحترام حقوق الفرد وصون حقوق الأقليات. فالدولة المحصنة ضد الحروب الأهلية والتي تتسم بقدر كبير من الإستقرار غير القابل للتشظى، تحت أي ظرف، هي الدولة المدنية ذات الخصائص المكينة والتي تتجسد فيها الخصائص الأربعة لدولة الحداثة، والتي تحصنها من الحروب الأهلية أو النزاعات المسلحة، لأن أفراد المجتمع في هذه الدولة يديرون خلافاتهم بطريقة حضارية قوامها الحوار والتراضي ولعبة سياسية يحدد الدستور قوانينها ويلتزم بها الجميع.مرتكزات الدولة المدنية :
1. الشرعية السياسية والدستورية : الشرعية السياسية تعني أن الشعب الذي هو مصدر السلطات، هو من ينتخب السلطات وهو من يمنحها الحق في خدمته. أما الشرعية الدستورية تعني أن عملية الإنتخاب تلك يجب أن تكون طبقا للآليات والنصوص التي حددها نواب الشعب الليبي في العقد الاجتماعي بيننا (أي الدستور).
2. المساءلة والمحاسبة : جميع أجهزة الدولة ومؤسساتها السيادية ينبغي ان تخضع للمساءلة والمحاسبة وفق الضوابط التي يحددها الدستور.
3. كفالة الحقوق : الدولة تكفل حقوق جميع مواطنيها دون استثناء، وبدون تهميش أو إقصاء أو تفرقة. جميع المواطنين سواسية.
4. سيادة القانون : لا أحد فوق القانون في الدولة المدنية، حيث يسود القانون الجميع، وفق الضوابط والقوانين.نظرا للعقلية الأحادية التي تنتشر بين معظمنا وتشبثنا بفكرة الزعيم المخلص، انتشرت ثقافة الكراهية والأحقاد بيننا والتي تتمظهر في الإقصاء والتشفي والفجور في الخصومة،من هنا يرى كل طرف منا أنه على حق ويسقط ذات الحق عن الطرف الآخر، صنو الوطن والمصير.الأحقاب زائلة والوطن باقي، فالملكية وسبتمبر وفبراير أضحت جزء من تاريخنا لا يمكننا التنصل منها أو إلغائها، وليبيا هي كل ذلك وليست أي منها على حدة. ليبيا هي العرب والأمازيع والتوارق والتبو.شعوب عديدة مرت بحروب أهلية طاحنة كالتي تعيشها ليبيا منذ تسع سنوات، وخرجت منها وودعت الحروب للأبد، من خلال خطوات باتت من المتعارف عليه كإجراءات فعالة وناجحة للخروج من الأزمة وتداعياتها ومعالجة مخلفاتها، هذه الخطوات تتلخص في : ·
التعبير عن الإرادة الشعبية من خلال حراك سلمي عام يخرج فيه جزء معتبر من الشعب لا يقل عن 5% من عدد السكان يتسم بالزخم وطول النفس والإنضباط والسلمية.·
رفض كافة رموز المرحلة من خلال رفض كافة متصدري المشهد العام من أشخاص وأجسام وهيئات.· ترتيبات أمنية تعمل على حل كافة التشكيلات المسلحة المتقاتلة سواء كانت مليشيات أو عصابات أو تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية، وإعادة تشكيل مؤسسة الجيش والشرطة وفق أسس مهنية وإحترافية ولائها بعد الله للوطن.· مصالحة وطنية شاملة توطد التعايش السلمي الأهلي يشارك فيها كافة الليبيين دون استثناء.·
عدالة إنتقالية تنهي سياسة الإفلات من العقاب المسئولة عن إنتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة التي يرقى بعضها إلى جرائم حرب.·
إتفاق سياسي ينهي المراحل الإنتقالية ويؤسس لمرحلة الإستقرار وبناء الدولة.وقد بدأ يتشكل إتجاه ثالث غير مصطف في ليبيا، قوامه الأغلبية الصامتة الرافضة لكل تمظهرات المشهد العام راهناً.عليه نرى أنه على النخبة الليبية (الثقافية والعلمية والمالية) أن تبادر إلى التحرك الفعال لتأطير هذا الاتجاه الثالث للتسريع من الحراك العام السلمي، الذي سيكون البداية الصحيحة لحل الازمة الليبية.