نيفين الهوني
كان لقاؤنا صدفة لكنني أكاد أن أجزم بأنها أجمل صدفة على الإطلاق طوال الخمس وثلاثين عام الماضية وسنوات العمل التي تجاوزت العقد من المفاجآت والفواجع والصدف الجميلة والسيئة أردت الاعتذار عن الذهاب وكعادتي في آخر لحظات الكسل والخجل عدلت عن الامر وقررت الذهاب لا بل المشاركة في مؤتمر لدعم المرأة في الظروف الراهنة للوطن الرهين ، جلست في آخر صف في القاعة وبين الجمهور ، ووظللت أراقب الضيوف المشاركين وحتى الحضورفردا فردا ، وبين الحضور جالسا هناك رأيته في أقصى كرسي على يساري وجوده غريب هيئته عادية ويبدو أنه لا يستوعب ما يقوله المشاركين فلا تعابير على وجهه ولا اي حركة تدل على امتعاضه او قبوله لما يقال منذ بدء الجلسة الاولى ، من هو ؟ وجهه غير مألوف ؟
وما الذي أتي به ياترى؟ فضولي مبالغ فيه تقول صديقتي القاعدة العامة تقول ان الفضول سببه الفراغ لكن حياتي أنا ممتلئة وجدا أيضا لذا انا استثناءا لهذه القاعدة مثلما أنا أستثناءا في كل شيء وأيضا مغرورة ابتسمت لنفسي في مرآتي الصغيرة حينما تذكرت كلام صديقتي وأنا أطمئن على مظهري خلسة قبل أن أختار أخيرا أن أعلم اللجنة أنني لدي مداخلة وحين جاء آوانها وقفت ومشيت إلى المنصة حاملة أوراقي شاحذة كلماتي ولساني بمداخلة ستحرج الجميع وستخرس الطرف الاخر وسيسجل لي التاريخ أنني على أرضهم وفي عقر دارهم أثبت للإعلام والقنوات ومن أمامهم الآلآف المشاهدين كذب هذه المؤتمرات وهذه اللجان وممثلي الاحزاب العاملة والناشئة ومنظماتهم ومؤسساتهم الخيرية والمدنية ألقيت مداخلتي ورجعت إلى مكاني وسط عاصفة من التصفيق ونظرات الانبهار وبداخلي أشعر ببراكين من انفعالات ستصهرني إن لم أجلس لأستجمع شتاتي وأسيطر على خجلي فلم اتوقع أن يكون لكلماتي هذا التأثير .
بقيت نظراته تلاحقني طوال الجلسة الاولى من المؤتمر بوجه صارم وملامح حادة ودون أي ابتسامة أوملامح تظهر ما يعتمل بداخله من مشاعر تجاه مداخلتي لا سلبية ولا إجابية وكلما جاء أحدهم لأخذ تصريح أو موعد او لإبداء ملاحظة أو تقديم دعوة لمؤتمر آخر أجده وقد ترك سير الجلسة وصب انتباهه على ردودي وكلماتي وابتساماتي التي أوجهها للرد على كلمات الاطراء أو التشجيع من الحاضرين .
بعد استراحة بين الجلستين الاولى والثانية أكتشفت انه غادر اثناء انشغالي في بعض الحوارات الجانبية لضيوف المؤتمر وحضوره بينما تجنب المشاركون الدخول معي في أي نوع من أنواع التواصل بل أن البعض أعتبرني عدوة ومندسة وعميلة وقائمة من الإتهامات التي تعودت عليها ولم تعد تثير غضبي بل أسفي على سخف من كنا نعتقدهم كبارا فإذا به كان صرحا فهوى .
رجعت إلى البيت منهكة بعد يوم حافل وجو خانق لأواخر الصيف في مدينة نهرية مناخها صحراوي وبعد ساعات من الراحة والثرثرة مع صديقتي استنفدت رصيدي بالكامل -عن المؤتمر وتفاصيله بدأتها بشرحي لها عن ملابسي و اختياري للوني المفضل في مثل هذه المؤتمرات واانهيتها بتساؤلاتي عن ذاك الرجل الغريب – وصلتني رسالة تقول : كانت مداخلة مميزة و أحببت جدا ردودك عليهم بالأدلة والتواريخ حقا مشاركة قيمة موفقة اختنا الكريمة
..يتبع