التصوير” مش رصة بطمة “

التصوير” مش رصة بطمة “

 

بقلم :: ليلى المغربي

قال لي أحد الأصدقاء بعد إلتقاط عدة صورله ” أمنت أن التصوير فن، أنت فنانة يا ليلى ”

جملة لا يعي معناها إلا المصورين أو من يقدرون فن التصوير الفوتوغرافي، لهذا قررت أن أضع هذه الجملة في افتتاحية المقال.

قبل ثلاث سنوات وشهر تقريباً، امتلكت الكاميرا التي استعملها حتى هذه اللحظة، كانت هدية من زوجي الصحفي والفنان الفوتوغرافي ” طه كريوي” ، فقد لاحظ احتياجي لتعلم التصوير المرافق لمهنتي كصحفية وبالتالي سأحتاج لكاميرا طبعاً، لكنني قبل أن أبدأ التصوير بها، تلقيت دروساً عديدة من معلمي سيد العدسة ” طه ” ، أول الدروس قبل الامساك بالكاميرا كانت أساسيات التصوير والتي لم أكن أعرف عنها شيئاً، ومن خلال تلك الدروس فهمت أولاً لماذا كنت أحب صورة ما حين أشاهدها؟ وما الذي يشدني لصورة أكثر من غيرها؟ ولماذا أجد بعض الصور باهتة فيما غيرها لها وقع السحر في النفس؟ وضمن تلك الدروس، كنت ملزمة على تمرين عينيّ على مشاهدة الصور وقرائتها، قراءة فنية أبحث فيها عن عناصر الصورة ” التكوين والضوء وزاوية الإلتقاط ” وكذلك القواعد أو الأسس التي يُعتمد عليها لإلتقاط الصورة ( درجة حساسية الكامير للضوء، درجة البياض، البعد البؤري، عمق الميدان، فتحة العدسة، سرعة الغالق )، جاء بعد ذلك التمرين على التصوير بشكل عملي وهذه لم تكن مهمة سهلة، لأن معلمي اختار أصعب الطرق لتعليمي، بمنحي تلك الدروس السابقة الذكر مع تنبيه شديد هو أن اعتمد على تجهيز الكاميرا واعداداتها ” يدوياً ” والابتعاد عن ترك الاعدادات ” أتوماتيكياً ” كي أعطي المشهد حقه وتكون لي بصمتي الخاصة في هذا الفن الجميل، لم يعطني معلمي يوماً اعدادات بالأرقام لمشهد أرغب بتصويره، بل كان يؤكد دائماً أن دراسة المكان ومنافذ الضوء وما يحتاجه المشهد سيجعلني أصل للاعدادات الصحيحة للكاميرا وبالتالي لصورة جيدة، بعد فترة زمنية ليست بالقصيرة أصبحت عملية ضبط اعدادات الكاميرا عملية سلسة لا تشكل عائق ولا تأخذ مني سوى ثوان معدودة وبطريقة ألية دون تفكير أو حساب.

وأما دروس المعالجة وتحرير الصور، والتي لا تقل أهمية عن عملية التصوير، وتحتاج تدريب للعمل عليها وتقديم رؤية فنية خاصة بالمصور يطغى عليها عادة ذوق المصور/ة والحس الفني وهي احدى الأشياء التي تساهم في صناعة بصمة الفنان الفوتوغرافي، لا أنكر أنني تأثرت بمعلمي في هذا المجال، لكنني مع ذلك استطعت مع الوقت والتدريب الشاق أن أتمكن إلى حد بعيد من معالجة الصور ووضع طابع خاص بي.

أتلقى من معلمي ملاحظات ناقدة وقاسية أحياناً على أعمالي، وهذا ما أعتبره الدرس الأهم الذي جعلني أطور أدواتي وحسي الفني والتدقيق في المشهد قبل التصوير، ليس خوفاً من النقد بل حرصاً على الرضى الذاتي بالدرجة الأولى، واتقان هذا الفن الذي استهواني ووجدت فيه مساحة للتعبير بطريقة خاصة، وكم تطربني عبارات الاعجاب من الأصدقاء والمهتمين بهذا الفن وأعتبر كل جملة قيلت لي بمثابة شهادة أفخر بها، لكن وسام الاستحقاق لا شعورياً انتظره دائماً من معلمي، إنها طبيعة التلميذ الذي يشيد به الأهل والأقارب والأصدقاء، ولكنه ينتظر دوماً شهادة التفوق من معلمه.
ما جعلني أكتب هذه المقدمة الطويلة لتوضيح ما بذلته من جهد لتعلم التصوير، وهو ما يبذله كل مصور يسعى للاحتراف، ولأنني أتلقى العديد من الدعوات لحضور وتغطية بعض المناشط والأحداث والحفلات عامة أو خاصة ، أرحب بها وألبيها وفق ما تتيح لي ظروفي، لكن ما يجعلني أستاء هو نظرة بعض الأشخاص لمهمة ومهنة التصوير الشاقة وكأنها عملية بسيطة لا تتعدى ” كبسة زر” ” رصة بطمة” وفق تعبيرهم ، وهناك من يدرك مصاعبها ومشاقها ولكنه لا يجد حرجاً في طلبه متوقعاً رضاك أو أن موافقتك تحصيل حاصل ، بل في بعض الأحيان تتلقى الدعوة فقط لأجل كاميرتك ..

حسناً من يعتقد أن التصوير ” كبسة زر” ” رصة بطمة” لا أكثر سأقول له حتى في هذه الحالة لو كانت بهذه البساطة فيكفي المجهود الجسدي للوقوف والانتقال من مكان إلى أخر لتقدير جهد المصور واحترام عمله .. ودعني أصحح لك أن عملية التصوير ليست كما تظن .. بل هناك عدة نواح يجب أن تعرفها في عمل المصور ..

الجهد الجسدي: والذي لا يتمثل في الوقوف فقط لإلتقاط الصور رغم أنها عملية متعبة لكن المصور يحضر دائماً للموقع يتجول باحثاً عن أفضل الزوايا لتغطية الحدث يجري وينتقل بخفة محاولاً عدم ازعاج الحضور ” إن كان الحدث في حضور جمهور طبعاً ” أو يخاطر في المشي والوقوف في أماكن خطرة أو متعبة وسط الرمال والصخور ليلتقط مشهداً خاصاً بزاوية مميزة .. أثناء إلتقاط الصورة وكبس الزر على المصور كبت أنفاسه وحبسها لثوان ومع تكرار العملية في كل صورة يؤدي هذا لتشنج العضلات بسبب نقص الاكسجين .. لا يمكن للمصور الثبات في مكان واحد لهذا يتنقل من مكان لأخر يقف ويجلس أرضاً ويتخذ وضع القرفصاء أو على ركبتيه أو ركبة واحدة .. ألخ

الجهد الذهني والحس الفني : في ثوان أو أقل على المصور/ة أن يقرر زاوية إلتقاط المشهد ويحرص أن يكون الكادر مختلفاً ومميزأ وغير مكرر من زملائه .. مع مراعاة عناصر الصورة في كل صورة …

أحياناُ يعاد ضبط اعدادات الكاميرا في نفس المكان لظروف المكان خارجي أو داخلي ، مع فتح الباب أو اغلاقه تختلف باختلاف مصادر الضوء، ودرجة البياض والحركة في المشهد ، وقد يفسد أحدهم الصورة بمروره أمامك دون أن يهتم لوجود كاميرا ، أو مع اصطدام أحدهم بك فتهتز يدك وأنت تتجهز لكبسة الزر أو أثناءها ..

المعدات : الكاميرا والعدسات وحامل الكاميرا ( Tripod) وبطاقات الذاكرة وشاحن البطارية والحقيبة الملائمة وغيره من المعدات اللازمة والتي تحسب على النقطتين السابقتين من جهد جسدي وذهني بالإضافة للجانب المادي لتوفيرها ..

كل ما سبق من أجل إلتقاط الصورة فقط ، وتأتي مرحلة ثانية تحتاج أيضا جهد جسدي وحس فني وامكانيات مادية وهي مرحلة تفريغ الصور في جهاز كمبيوتر وتلقائيا ستحتاج جهاز تخزين للصور خارجي القرص الصلب ( Hard Disk) ، وبرامج معالجة للصور ، لتقديم صور جيدة ، ولا يجب أن ننسى أهم عنصر وهو الوقت الذي تخصصه لكل ما سبق ..

بعد كل هذا الجهد والتعب وما يصادفك أحياناً من عراقيل أثناء مهمتك وهي عديدة لست في وارد لذكرها .. تخيل عزيزي القارئ أن تسرق صورتك لاستعمالها دون الإشارة للمصور ، أو ادعاء تصويرها من السارق ، أو يأخذها أحدهم لاستعمالها دون مقابل مادي.

هناك من يعرف أن التصوير ليس ” كبسة زر” ” رصة بطمة”، ومع ذلك يطلب منك الصور دون مقابل وهذا ما يعد عدم احترم المصور/ة وجهده/ا .. أما طلب الصور دون مناقشة التفاصيل فيما يخص التصوير والتغطية الاعلامية لاسيما إن كنت صحفياً أيضاً فهو محاولة تذاكي واستغلال رخيص ومهين ..

 

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :