- الدكتورة عتيقة هاشمي
المغرب.
سأحاول في الجزء الأول من مقاربتي لكتاب “تمثلات الثقافة المغربية في المؤلفات الألمانية السويسرية” للكاتب رضوان ضاوي قراءة تجربته انطلاقا من مساءلة العتبات النصية لسانيا وسيميائيا في علاقتها الدياليكتيكية مع باقي المكونات التي تشكل عالم الكتاب المنجز أملا في استكناه الخيط الناظم بين العتبة والمحتوى وكيف أن الخطاب المقدماتي يساهم في بناء الدلالة العامة للمنجز ككل.
العنونــــــــــة
يتبوأ العنوان مكانة محورية في ترسانة المفاهيم الإجرائية التي يحفل بها التحليل النصي، باعتباره بؤرة دلالية يستنطق بها الدارس شفرات النص، وقد اعتبره روبرت شولز مسندا إليه عاما وباقي المكونات النصية فروعا معززة بينما اعتبره جيرار جينيت paratexte أي نصا موازيا. ومهما اختلفت الرؤى حول هذا المكون العتبة، فإنه يبقى من أهم المفاتيح لمغاليق النص، وبتأملنا لعنوان “تمثلات الثقافة المغربية في المؤلفات السويسرية والألمانية نجدنا أمام إغراء مثير يمتلك سلطة نصية ذات أبعاد دلالية تحيل على علاقة الأنا بالآخر، هذا الأنا الذي هو المغرب / المشرق والغائب عن الفهم لدى الآخر الذي هو الغرب المتمثل في المكتوب السويسري – الألماني. ويعد هذا الأخير مصدرا تتمظهر عبره صورة الثقافة الشرقية، وهو ما ذكره الكاتب في مقدمته من خلال تصريحه بتتبع ما كتبه الرحالة المستشرقون المنتمون إلى الدول الناطقة باللغة الألمانية في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. هكذا يتبين أن العنوان دال سيميائي يحيل على تجارب عدد من الرحالة المستشرقين السويسريين والألمان زاروا المغرب وكتبوا عنه، ووثقوا لمواقفهم من الثقافة المغربية بمفهومها الشاسع خاصة في الفترة ما بين 1830م و1911م.
التعيين الجنسي للكتاب
في تحدي الجنس الأدبي للكتاب، أنطلق من العبارة بين قوسين الواردة أسفل العنوان مباشرة (دراسة مقارنة) ، لأقول بأن النص يندرج ضمن الأدب المقارن، ويعرفه الناقد الأمريكي هنري رماك (دراسة للأدب خلف حدود بلد معين، ودراسة العلاقات بين الأدب من جهة ومناطق أخرى من المعرفة والاعتقاد من جهة أخرى) فالمقصود من هذا التعريف هو دراسة تاريخ الأدب في تفاعله مع أشكال من المعرفة متجاوزا الحيز الجغرافي، ومستنطقا آداب القوميات المتباينة لغة، وهوية، وقيما عن طريق الترجمة والحوار، بحيث يشكل حلقة وصل بين الحضارات فيكون الهدف هو التقريب بين النصوص الأدبية التي اخترقتها فجوات هي من صنع التاريخ في عملية جعلت بعضها مهيمنا والآخر مهمشا، بالإضافة إلى الوقوف عند علاقات التأثير والتأثر المتبادلة في مجالات التعبير بين أنواع الآداب العالمي من مختلف الأمم خاصة وأن موضوعاته تمتح من الواقع المباشر.
لوحة الغلاف
تكتسي لوحة الغلاف أهميتها من كونها دالا بصريا يكتنز الكثير من الإيحاءات السيميائية والتأويلات المتعددة لقراءاته، زيادة على أنه العتبة الأولى التي تثير المتلقي وتحفزه على معرفة مكنون الكتاب طالما تخاطب العين، ثم إن لوحة الغلاف تفرض علينا التسلح بآليات التأويل والتشريح في محاولة الموازاة بين ما هو كاليغرافي و بين ما هو تشكيلي وبين محتوى النص المكتوب، كل ذلك يوسع احتمالات بنائها الدلالي.
وبتأملنا للوحة كتاب “تمثلات الثقافة المغربية في المؤلفات الألمانية والسويسرية” نشعر أن هناك نوعا من التواطئ الخفي بين العنوان كمقولة لسنية وبين اللوحة كأيقونة، وهو ما يدفعنا إلى القول أننا أمام تعاقد أسسه دي سوسير بين الدال والمدلول، فاللوحة مثبتة في ملحق اللوحات الذي ألحقه الكاتب بكتابه، وبالضبط في الصفحة 307 اللوحة رقم 4 وتحمل عنوان بوابة المدينة بالمغرب، وتعود للفنان الرحالة المستشرق السويسري فرانتس بوكسر، هذا الأخير شغف بالمغرب وبطبيعته، فسعى الى التوثيق النصي كما التوثيف البصري ، يذكر الكاتب، أن بوكسر” بحث عن السعادة القديمة واستعادتها عند المغاربة من خلال الطبيعة الحقيقية التي لم تدنسها الحضارة بعد” ص.208. وبالتالي تكون العلاقة بين العنوان ولوحة الغلاف علاقة تعضيد، تساهم في بناء استراتيجية قرائية تنبني على الربط الجدلي بين العتبات والتفاصيل. إن تجاور عتبة العنوان واللوحة لا يمنع من القول بأن بوابة المدينة في المغرب حبلا بإشارات سيميائية تحفز على البحث عن القرائن الدلالية المفصلة داخل المنجز، فالبوابة هنا تمنح أبعادا لا تفتأ تبرز في محتوى النص من خلال الرحلات استشراقية إلى المغرب والتي وثقت للثقافة المغربية، فكانت مدخلا للتلاقح الثقافي عبر الفن التشكيليي، كما أن اللوحة تعكس جمال مدخل مدينة فاس التي افتتن بها بوكسر، فبالعودة إلى الصفحة 221 و222 يتقوى لدينا هذا الإحساس. ولأن الكتاب يعد وثيقة تاريخية في قالب نقدي تؤرخ لمرحلة معينة من حضور المغرب في علاقته بألمانيا وسويسرا تاريخيا، أدعو محبي الأدب المقارن إلى الاطلاع عليه .
*يتبع.