بقلم :: عمر الطاهر
الجيش الليبي من اول الجيوش العربية في التأسيس ، اذ تأسس قبل قيام الدولة و قبل نيل الاستقلال و مر بعدة تسميات أولها الجيش السنوسي تيمنا بحركة التحرير التي قادها السنوسيون في شرق البلاد إبان فترك الاستعمار الايطالي ، حتى اذا قامت المملكة الليبية و اصبح عندئذٍ الجيش الليبي و كان العسكري ذو شان كبير و كانت للجندية عموما قيمة كبرى و موضع احترام من أهل البلد ، و يتمتع الجيش بالكياسة العسكرية العربية ( مصر و العراق ) و الانجليزية و تقاليدها العريقة في اللباس و الحركات الاستعراضية و كذلك حركات التدريب و السلوكيات اليومية اثناء الواجبات و كان العسكري مبعث أعتزاز وافتخار لكل من يشاهده سواء في مظهره و سلوكيات أفراده في الأماكن العامة ، و كان الضباط خاصة يتقيدون بالتعليمات الواردة في كتيب البروتوكول اليومي للضباط أينما وجدوا في الثكنات ام في الأماكن العامة و كذلك في النوادي الخاصة بهم و المنتديات الى المناسبات العامة الرسمية ام الاجتماعية ، حيث لكل مناسبة لباسها الخاص , حتى اذا جاء عهد معمر القذافي ، و كان في بداياته عهدا حسنا للمؤسسة العسكرية التي ينتمي اليها و التي جاء بواسطتها الى الحكم هو و رفاقه ( الضباط الوحديون الأحرار ) .
حتى بدأت أولى بوادر الانشقاق و الانقلابات في الظهور ، على أيدي أبناء المؤسسة العسكرية ذاتها .
عندها فقدت الثقة في العسكر و بدأ عهد جديد من الشك و الريبة في كل تحركات الضباط ، و ازدادت قبضة الأمن و المراقبة ، و توالت تلك الحركات مابين الفينة و الاخرى و توالت في فشلها في تغيير نظام الحكم و تم القبض على اكثر القائمين بها فمنهم من اعدم و منهم من سجن و منهم من سعفه القدر ففر الى خارج البلاد و نجا بجلده ، و منهم أيضاً من جلب و اعدم ، و لكن العسكر استمروا في العناد و ما بدلوا تبديلا ، استمرت المحاولات تترى و لم يجتث فكر الانقلاب , حتى اذا جاء و عد فبراير ، فكان منهم من ناصر و انشق عن القذافي بعض رفاقه و منهم القدامى مثل عبد السلام جلود و العديد و انشق الجيش في المنطقة الشرقية بأكملها ، و كذلك الجنوب الشرقي و خاضوا المعارك ضد رفاقهم الذين أستحبوا البقاء تحت عباءة النظام و منهم من كان على مضض و انتهت فبراير ، و شكلت الحكومات و بدأ ذبح العسكر ، كل يوم يقتل منهم عددا و يقدمونهم قرابين على مذبح الإرهاب و استبعدوا من المناصب السيادية و لم يسمح لهم بالعودة الى معسكراتهم ، و سلط عليهم من لا يخاف الله و لا يرحمهم … كانوا مظلومين و ناقصي المواطنة و غير موثوق بهم في كل العصور ، من النظام و من المصارف ، و في جل مناحي الحياة ، فلم يكن يحق لهم المشاركة في القرار السياسي للبلد و لا يساهمون في رسم مستقبله من خلال الانتخابات و لا المؤتمرات و ليس لهم دور سوى انهم عسس فقط و بأجر زهيد لا يكاد يكفيهم قوت يومهم ، و حتى قيلت فيهم أسوأ الأمثال الاجتماعية و خاصة عند النساء من كثر الاستهزاء مثل ( خودي عسكري لين تلقي راجل ) و مثل اخر لمن يسمع دبيبه في الصباح الباكر من أم تقول لابنتها ( ارقدي من يتحرك في هالوقت غير العسكري و الكلب ) و اخيراً في هذه الثورة المجيدة المباركة كثيرا ، صنف العسكريون الى ( كتائب القذافي ، فلول النظام السابق ، مطلوبين ) و صنف الآخرين الذين مع الثورة المباركة ( بقايا الجيش الذي لم تكن له عقيدة وطنية ) و انهم خردة لاتصلح حتى لتكون نواة جيش فأي شعب ظلم جيشه مثل ما فعل هذا الشعب العظيم .
و هل جزاء الإحسان الا الإحسان ؟
ألم يكن أبناء هذا الجيش من صلب هذا الشعب ؟ ألم يكفي ماعاناه من ظلم و قهر واضطهاد و تمييز و حروب لا ناقة لهم فيها و لا بعير ؟
الم يكفي ما قدم ابناءه من دماء زكية طاهرة في مختلف الساحات داخل الوطن و خارجه ، من تشاد و لبنان و أوغندا وأخيرا تحت ضربات بني الوطن من كل الأطراف ؟
هذه هي ثقافة شعب و هذا هو الذي عليه العسكري من بعد شرف القتال في ساحات الوغى .
فهل من شعب ظلم جيشه مثل هذا الظلم ؟
سلام من القلب الى كل العسكر .