العنف المدرسي في ليبيا… أزمة صامتة داخل أسوار التعليم   لم يعد العنف المدرسي في ليبيا

العنف المدرسي في ليبيا… أزمة صامتة داخل أسوار التعليم   لم يعد العنف المدرسي في ليبيا

  • د / سلمى عداس

حوادث معزولة أو تصرّفات فردية، بل تحوّل في السنوات الأخيرة إلى ظاهرة مقلقة، تتغذّى من هشاشة المنظومة التعليمية، وتراجع الدعم النفسي والاجتماعي، وغياب آليات الحماية داخل المؤسسات التربوية. وبين التلميذ المرهق، والمعلّم المثقل، والإدارة المقيدة، يصبح الطفل الحلقة الأضعف في معادلة مختلّة.   العنف المدرسي لا يقتصر على الضرب الجسدي، بل يتخذ أشكالًا متعددة؛ من الإهانة اللفظية، والسخرية، والتخويف، إلى العقوبات القاسية والطرد التعسفي، وصولًا إلى الإقصاء النفسي الذي يترك أثرًا أعمق من أي عقاب بدني.   في بعض المدارس الليبية، يُسجَّل تعنيف التلاميذ أمام زملائهم بحجة “الانضباط”، حيث يُوبَّخ التلميذ بصوت مرتفع، أو يُهان بسبب مستواه الدراسي أو سلوكه، دون مراعاة لسنّه أو حالته النفسية. وفي حالات أخرى، يُعاقَب التلميذ بالطرد المؤقت أو النهائي بسبب تأخر دراسي أو غياب متكرر، دون البحث في الأسباب الاجتماعية أو الأسرية التي قد تكون وراء ذلك.   كما تشهد بعض المؤسسات التعليمية حالات عنف بين التلاميذ أنفسهم، نتيجة غياب الإشراف الكافي داخل الساحات المدرسية، وانتقال أنماط العنف المجتمعي إلى داخل المدرسة. شجارات، تنمّر، واعتداءات جسدية، غالبًا ما تُعالج بالتهديد أو العقاب الجماعي بدل التدخل التربوي المتخصص.   ولا يمكن فصل العنف المدرسي عن الواقع الليبي العام؛ فالتلميذ الذي يعيش في بيئة أسرية مفككة، أو يتعرض للعنف في المنزل، يحمل معه ألمه إلى المدرسة. وعندما يجد في المدرسة سلطة عقابية بدل الاحتواء، تتضاعف الأزمة، ويتحول التعليم من وسيلة إنقاذ إلى عامل ضغط إضافي.   أخطر ما في هذه الظاهرة هو الصمت الذي يحيط بها. كثير من الأسر تخشى التبليغ خوفًا من الوصم أو الانتقام، وبعض الإدارات تفضّل التكتّم حفاظًا على “سمعة المدرسة”. وهكذا تُطوى الحوادث دون محاسبة، ويستمر العنف في إعادة إنتاج نفسه.   إن معالجة العنف المدرسي في ليبيا لا تبدأ بالعقوبات، بل بإعادة الاعتبار للدعم النفسي داخل المدارس، وتكوين المعلمين في التربية الإيجابية، ووضع آليات واضحة للتبليغ والحماية، إضافة إلى شراكة حقيقية مع الأسرة والمجتمع المدني.   فالمدرسة ليست مكانًا للعقاب، بل فضاء لبناء الإنسان. وحين يتحوّل التعليم إلى مصدر خوف، فإننا نكون أمام خطر يهدد مستقبل جيل كامل، لا مجرد أزمة عابرة داخل الفصول الدراسية.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :