كتب : مفتاح الشاعري
الأدب في عمومه هو اعلان لرونق صنعة الحديث المتزن ودعوة لعوالم خياليه بروابط لا تنأى عن الحياة الا بالقدر المعقول ليكون النتاج ثوابت لا تنفصل حقيقةعن الواقع , وهو ايضا فتنة مباحة لسبر اغوارٍ نفوس بشرية بأدوات مباحة.
اما القصة بشمولية النوع واختلاف المسمى فهي إبداعٍ ونسج في المخيلة لا يخلوا غالباً من نهج متوان بانتماء لأناقة الحرف ومدلول الكلمة ووضوح الهدف والمسيرة , يُهدى في مجمله بتواضع الى المتلقي المتطّلع لما هو مغاير, ولا يتأت ذلك ما لم يكن معتمداً على المبدأ القائل ” في الاشياء العادية التي تمر بنا كل يوم سحر كثير ” وبتوافر التواضع الذى قال به ألبير كامو ( إنِّني كاتبٌ تجريبيٌّ ، وسأظلُّ ولنْ أكفَّ عن ذلكَ ) –
ويظلفعل الكتابة في نظرنا في حالة تواجدتأسيساً على ماذهب إليه أ. محمد الترهوني حين قال :- ” الكتابة هي غير المباشر وغير المؤكد .
وسوف لن يتم إنجاز هذا الفعل بسبب الواجب وحده لكنه سيظل ملازماً لهدف مضمون وواضح ..
والكتابة – كما قرأنا – ليست شفقة ولارحمة أو تضحية , فلا معنى حقيقي للتضحية في الكتابة إلا اذا كانت هذه التضحية نفياً لما يمكن الاستغناء عنه لا أكثر ..
والنتاج لما سبق هو التشكل الواقعي للكتابة عن محطة كلام عن ما هو مقنع وإن اتخذ اتجاهات في بعض الاحيان روات عن واقع مؤلم أو مؤثر بغير لباقة , والكتابة ايضا ضغينة لا تصمت حتى في صلواتنا وتمثيلاً للملل والضجر والعادي والمألوف “
اما حين المثول في حضرة صنعة الشخوص فإن واجب الحديث سيدعونا بالضرورة القصوى الى الدعوة لاستحضار انتماء النص وذلك عن طريق عدم اغفال سبر اغوار شخصيات العمل وكذا الكم من المشاعر المرهفة لها .. مع تبيّن مواطن الجمال والقدر من ايجاد النسج الواضح المنمق دون تصنّع لعاطفة تصدح حرفاً وكلمة وصورة وقدرة على جعل القارئ في حالة القبول الدائم ..
وحين تناول فعل الإبداع في شموليته سنقول بأنه بقين مسبق و وهج من أصالة وإيمان بفن الرسالة والمضمون والدلالات الواقعية أو الخيالية بقدرٍ يسير في سماء واسعة من مشاعر وصورٍ مختزلة ودروب لعوالم اللذة الروحية وشيئاً من الحلم والحقيقة .. .
هذا المدخل كان للحديث في الواقع عن القاص والصحفي الليبي / عوض الشاعري ومجموعته القصصية والصادرة ضمن اصدارات مجلة المستقبل ” يونيو2015 بعنوان ” سطوة الكلاب ” وهي التي اطلت على الساحة الثقافية الليبية بمقدمة و ” 20 ” نصاً وكان فيها القاص ملامساً لواقع لم يكن بالإمكان الاستغناء عن الاشارة اليه بصفة مباشرة أو بلسان راوٍ عليم .. وتشخيص لحكايات متجول متمكناً من أدوات الكتابة والتصوير و مشاهدة بمعرفة لعالم معاش شخوصه كانت من ” حيوان ” .. هذا الجانب الذى طالما كان حاضرا في الأدب الانساني المكتوب منذ فجر الثقافة المروية والمكتوبة حتى الآن ..
وحين الوقوف الى جانب له اهمية وهوما تعلّق بالإصالة المتوافرة بنصوص الحكايا القصصية للشاعري , سنصل في وضوح ويسر الى هذا التحاش الماهر منه لشرك تصنع الغرائبية المصطنعة التي غالباً ما كانت حشو غير مستحب جاء به الكثير من كتاب القصة او الرواية ..
إن المتمعن في نصوص المجموعة سيرى هذا الخيط الرفيع من رسم صورة الحاضر الآني المتآخي مع المستقبل بخيال أديب .. فكان هذا الدفق المتغير والمتأثر والمتفهم بتأنلصور محيط معاش ومجتمع متعدد الصور ليذكرنا بالرابطة القلمية التي نعلم ما كان لها من نتاج ادبي ضخم وصل للعالمية عبر ما اعتمده من البساطة والسهولة والوضوح والبعد عن الخشونة والغرابة والتعقيد بأساس المبدأ القائل بأن ” اللغة هي وسيلة التعبير عن الفكر والعاطفة وليست مجالاً للتباريفي صرف اللغة ونحوها وبيانها وعروضها وقواعدها وجوازاتها ومتناقضاتها ومترادفاتها وحكمها وأمثالها ” .
و للمجموعة القصصية نوع من خصوصية معلنة لم يتبرأ فيها الشاعري من ملكيته للحكاية ومجرياتها وتفاصيلها , مراهناً في ثقة على بقاء النص المعاش جملة وتفصيلا حين يكون الإبداع القصصي منتمياً دون مواربة للقاص ذاته , وبوضح مختصر ربما كان الشاعري في هذا الانتماء قد اعلن الحضور لدليل غني بتفاصيل تعايش المبدع لنصه ضماناً لبقاء هذا النص رغم مرور الزمن وتغير المصطلحات وتصاعد التفاصيل .
أن مجموعة ” سطوة الكلاب ” اعلنت للمتأمل عن مراحل من التنوع بالرغم من عدم اشارة المؤلف إلى انها جاءت بعد توقف محطات التفحص والتلخيص والكتابة بذهن واع كان يرى هدفه بوضوح ولهذا قلنا في وقفات عدة أن من يقرأ لعوض الشاعري سيرى سطر واضح لالبس فيه يعلن بأنه اديب وفي لبيئة كانت في اوج الكفاح والسعي كل مشرق شمس
والقاص عوض الشاعري حين كان بعيدا عن المدينة ظل المسجل الأمين لا حداث من صميم ثقافة القرية وبأدوات امتازت بتملكها لروح قروية تمرست في سبر اغوار الاساطير والحكايات ما كانت في جوهرها تخلوا من كائن خرافي او حيوان أو مثلاً شائع , ولهذا لم نسجل استغرابنا حين كانت هذه المجموعة , وقصة ” اصوات ” التي كان فيها الكلب بذيله المقطوع بعد معركة غير متكافئة قد سجلّ صراع المنتصر العائد بعد هزيمة معركته الاولي, ليكون حدث النص تصويراً حياً في مخيلة المتلقي دون ادنى مسؤولية على الرواي الذى لم يكن في الحقيقة مطالباً بتبرير لحالة العودة من اطراف الصحراء الى تخوم القرية مواجهاً لواقعة أولى ليسجل نصره من جديد .. فجاء الحدث سرداً بجمالية مستساغة ومقبولة
اما ما كان من قصة ” سطوة الكلاب ” فأنها كانت اللعبة بين تصوير الحدث والتفاعل مع المحيط للوصول الى نتيجة طريفة ” لا تضر ب كلبا قبل ان تعرف صاحبه ” مع نقلة كان فيها فعل حصول كل الحيوانات تقريبا على ميزة الوسم دون الكلاب بإشارة الى عدم تكافؤ الفرص بباب مشر عّ للتأويل او الاكتفاء بالقراءة فقط
أما في قصة ” الحاجة ” فقد كان القاص هو العائد من القرية الى صخب المدينة والمسجل للعبة ثقافة السنوات فكانت نقلة ماهرة لحالة من شباب دافق وتبرج طاغٍ الى بقعة مغايرة اختزلت في ” مجرد تحية ترسل من بعيد ” سلم على الحاجة “
وحين قراءة قصة ” الولد الغبي ” فسنكون في حاضرة حوارٍ متسّرع وفهم خاطي وغناوة علم من متصل متسرع ايضا ” مكتوب في غلا العويل .. بأسوام بخس يبيعوه خاطري ” وكأن القاص كان في نفور مباح لم يفارق روح النكتة من عوالم مجاملة خالية من لباقة كانت واجبة ومصاحبة لحضارة كانت من المفروض قد اعلنت حضورها بكل الوعي المطلوب
لكننا نرى قمة الهدف قد توافر بشرعية في قصته القصيرة جدا ” فكرة ” تلك التي جسدّت صورة انتخابية .. وخبثاء وحالة من استهزاء .. واعلان لرفض حضارة الاعلان .. ليلجاً الراوي الى ( ان يضع الصورة على مؤخرة سيارته ويتجول بحذر وهو يلتفت للخلف مخافة ان يعبث بها احدهم )…
هذا وقفة ربما كانت مختصرة لمجموعة الشاعري الذى سنتطلع دائماً الى كل ما هو جديد …