المستشارة القانونية : فاطمة درباش
وتأتي أهمية الآداب العامة في محافظتها على المجتمع والحد من انحلاله، ويرتبط هذا المفهوم بالمعتقدات الدينية والأخلاقية والعادات والتقاليد في المجتمع ويجب الالتزام بها وعدم المساس بها.
والتعريف بالآداب العامة يأتي على كونها ” مشاعر الشرف ومبادئ الاحتشام العامة والذوق العام التي تخلق إباءً خلقياً يترفع عما يؤدي إلى المساس والانتقاص من الاعتداد بالكمال الخلقي الداخل بوجدان المجتمع فهي المبادئ العليا في الواقع الخلقي لمجتمع معين في وقت معين ,هي مجموعة القواعد والأحكام المتعلقة بالأخلاق والحشمة والمحاسن والمساوئ.”
أما عن الفرق بين النظام العام والآداب العامة فالنظام العام هو مجموعة القواعد القانونية الملزمة للجميع والتي لا يجوز مخالفتها, فهي تتعلق بنظام المجتمع وكل ما يخالفها هو باطل. أما الآداب العامة, فهي مجموعة القواعد والأحكام المتعلقة بالأخلاق والحشمة والمحاسن والمساوئ.
بالتالي النظام العام متعلق بمجموعة المبادئ الأساسية التي ترعى النظام السياسي، والتوافقات الاجتماعية، والقواعد الاقتصادية، والقيم الأخلاقية التي يقوم عليها كيان المجتمع، ويتحقق بها الصالح العام. وإن انصهر مفهوم النظام العام في الأغلب الأعم ضمن نص تشريعي، إلا أنه لا يضيق بتلك النصوص، بل يتسع ليشكل مفهوماً مطلقاً، قائماً بذاته.
عناصر النظام العام تتمثل في الأمن العام أولاً، ومن ثم الصحة العامة، و السكينة العامة ثالث عناصره.
وهناك من الدفوع ما تعتبر من النظام العام وهي الدفوع المتعلقة بالنظام العام الدفع بانعدام الولاية أو الاختصاص الوظيفي، كذلك الدفع بعدم الاختصاص النوعي والقيمي فهما متعلقان بالنظام العام. أما الدفوع الشكلية الأخرى كالدفع بعدم الاختصاص المحلي والدفع بالبطلان أو بالسقوط فلا تتعلق بالنظام العام ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
يعد النظام العام تعبيراً عن روح النظام القانوني للمجتمع عامة، وهذه الروح تشكل قاعدة للبنيان المجتمعي المراد تنظيمه، فلا يقتصر مداه على ناحية معينة من نشاط المجتمع، بل يشمل كل مظاهر النشاط وميادينه، ومن هذه المظاهر
النظام العام النصي: ويتجسد بالنصوص القانونية الإلزامية، وهذا النوع محدد بشكل صريح وواضح ومقنن عبر نصوص آمرة وملزمة بصيغة المنع، وهي تحدد ماهيته ومضمونه وترتب البطلان بوصفه جزاء ومؤيداً على مخالفتها؛ وبالتالي لا تثور في هذا الصدد أي صعوبات في تحديد الحالات المخالفة للنظام العام.
والمظهر الآخر للنظام العام هو النظام العام المضمر (الاجتهادي): وهو حالة مفترضة كرّسها الفقه القانوني والاجتهاد القضائي، يضاف إليهما الأحكام غير المكتوبة في الأنظمة القانونية التي تأخذ وتتوسع بسلطان العرف (كالقانون الإنكليزي)، ويمكن تلّمس حالات هذا النوع من النظام العام واستنباطها في روح التشريع، وفي المبادئ العامة، ويعد الاجتهاد القضائي حامياً للنظام العام ومفسراً له، فبإمكانه أن يعلن أن اتفاقية ما أو بنداً ورد فيها هو غير قانوني إذا ظهر أنه يخالف النظام العام.وتثور الصعوبات في الحالات التي يسكت فيها المشرع عن مخالفة النظام العام، ففي مثل هذه الحالات يُترك الأمر إلى القاضي ليحدد في كل حالة مدى تعلق الأمر بالنظام العام، واضعاً نصب عينيه نوع المصلحة التي يرمي المشرع إلى حمايتها، فالفيصل أو الضابط في تحديد مفهوم النظام العام المضمر هو المصلحة العامة.
يُضاف أيضاً للمظاهر النظام العام النظام العام السياسي وهو ما يعرف بالنظام العام التقليدي أو (المطلق)، ويرمي إلى حماية أركان المجتمع، وهي: الدولة، والأسرة، والحريات الفردية من انتهاكات الأفراد في تصرفاتهم. وغالباً ما يؤيد هذا النوع من النظام العام بنصوص جزائية رادعة. ويتبع النظام العام مظهر النظام العام الاقتصادي: إن تدخل الدولة في السياسة الاقتصادية لكل القطاعات الاقتصادية، وتنظيم المنافسة، والتعامل بالعملات مثلاً لم يترك النشاط الاقتصادي للأفراد على إطلاقه ،كما في الاتفاقات التي تنطوي على غبن، ومنع الاحتكار في التكتلات الاقتصادية كحال المجتمعات الصناعية الحديثة، وفي سياسة الاستيراد والتصدير.
ومفهوم الآداب يأتي مجرداً ومستقلاً عن مفهوم النظام العام، إذ درج الفقه القانوني في غالبيته على التطرق إليهما وذكرهما معاً على سبيل العطف وليس على سبيل التفريق، فقد تلازم المصطلحان (النظام العام والآداب) واقترن بعضهما ببعض في كل حالة تناولت أحدهما. فالنظام العام يعد مفهوماً مستقلاً عن الآداب التي تعد المظهر الأخلاقي الأكثر خصوصية للنظام العام، وإن إسباغ عبارة العام على مفهوم الآداب يستتبع خطأً التطرق إلى الآداب الخاصة، وهذا تقسيم لم يوفق فيه الفقه القانوني، وإن كان النص القانوني صريحاً وقاطعاً في هذا الشأن، فالآداب العامة تعرف بأنها: “مجموعة من القواعد السلوكية، والشمائل المحمودة المتعارف عليها بين الناس، في زمان ومكان معينين، وجدوا أنفسهم ملزمين باتباعها، ومتفقين على احترامها بينهم، طبقاً لناموس أدبي سائد في علاقاتهم ومتّرسخ في ضميرهم الاجتماعي”. ويؤدي انتهاك هذه القواعد، والخروج عليها ومساسها، أو السخرية منها وعدم المبالاة بها إلى نوع من الإساءة إلى شعورهم العام. ومعيار الآداب هو معيار موضوعي اجتماعي، وليس ذاتياً، يرجع فيه إلى ما أجمع عليه الناس، إضافة إلى أنه نسبي، يختلف من مجتمع لآخر، وغير ثابت، يتطور تبعاً لتطور الفكرة الأدبية في حضارة معينة، وللدين والعرف أثر مهم في تكوينه وتكييفه.
يتبع.