الوطنية الحقيقية: الإخلاص الذي لا يُشترى والحب الذي لا يُباع

الوطنية الحقيقية: الإخلاص الذي لا يُشترى والحب الذي لا يُباع

سلمى مسعود

الوطن ليس مجرد قطعة أرض نعيش فوقها، بل هو كيان نحمله في قلوبنا، وهوية تنبض بها أرواحنا، وكرامة لا تقبل المساومة. الوطنية ليست شعارًا نردده في المناسبات، وليست صورة نضعها على حساباتنا، وليست مجرد كلمات جوفاء تملأ الخُطب والتصريحات. إنها إحساس عميق بالولاء، التزام صادق بالمسؤولية، واستعداد دائم للعطاء والتضحية. إنها الإخلاص الذي لا يُشترى، والحب الذي لا يُباع، والوفاء الذي لا يعرف المصالح.

الوطنية ليست ادّعاءً، بل اختبارٌ صعبٌ لا يجتازه إلا المخلصون

كثيرون يدّعون حب الوطن، لكن القليل فقط يثبتون ذلك بأفعالهم. الوطنية ليست في التصفيق للحكام، ولا في ترديد الهتافات، ولا في التفاخر بأمجاد الماضي بينما الحاضر يتهاوى. إنها في العمل بإخلاص، في أداء الواجب بشرف، في الدفاع عن الحق دون خوف. الوطنية الحقيقية لا تعني أن تبرر الأخطاء، ولا أن تغضّ الطرف عن الفساد، ولا أن تبيع صوتك من أجل منصب أو مصلحة. بل تعني أن تقف في وجه الخطأ، أن تنتقد بحب، أن تطالب بالإصلاح، وأن تضع مصلحة الوطن فوق كل شيء.

عندما تُختبر الوطنية يسقط الكثيرون

الوطنية الحقيقية لا تظهر في أوقات الرخاء، بل تُختبر عندما يمر الوطن بالأزمات. في لحظات الخطر، يهرب من كان يملأ الدنيا صراخًا عن حبه للوطن، ويبقى من لم يكن بحاجة إلى كلمات ليثبت ولاءه. في الحروب، في الأزمات الاقتصادية، في المحن السياسية، تُكشف المعادن الحقيقية للناس، فيسقط المزيفون، ويصمد الصادقون. الوطنية لا تعني أن تغني للوطن وهو يعاني، بل أن تمد يدك لإنقاذه، أن تضع طاقتك وخبرتك وجهدك في خدمته، أن ترفض أن يكون الوطن مجرد بقرة تُحلب لمصالح شخصية.

الوطن ليس حفنة تراب.. إنه كرامة وحياة

من يبيع وطنه فقد باع نفسه، ومن يخون وطنه فقد خان شرفه. الوطن ليس مجرد حدود على الخريطة، وليس فقط أرضًا نسكنها، إنه الكرامة التي نحيا بها، والمستقبل الذي نبنيه لأبنائنا. أن تكون وطنيًا يعني أن تكون وفيًا لتراب أرضك، لشعبك، لتاريخك، لقيمك، ولحق الأجيال القادمة في وطنٍ حرٍ كريمٍ مستقر. الوطنية لا تعني أن تعيش وتموت في وطنك فقط، بل أن تجعل وطنك يستحق أن تعيش وتموت من أجله.

بين حب الوطن والوفاء له.. فرق كبير

ليس كل من قال “أنا أحب وطني” هو وطني، فالحب ليس بالكلام، بل بالأفعال. من يسرق من وطنه ليس وطنيًا، من يظلم شعبه ليس وطنيًا، من ينهب خيراته ليس وطنيًا، من يصمت عن الفساد ليس وطنيًا. الوطنية ليست ولاءً أعمى، ولا تعني أن تكون عبدًا للحاكم أو للنظام، بل أن تكون عبدًا لمصلحة الوطن، أن يكون ولاؤك للأرض والشعب والعدالة، لا للمصالح الشخصية.

الوطن لا يحتاج إلى متغنين به، بل إلى بناةٍ له

العالم مليء بالدول التي قامت من تحت الركام، ونهضت بعد أن ظن الجميع أنها انتهت، لماذا؟ لأن فيها مواطنين حقيقيين، أدركوا أن الوطن لا يُبنى بالكلام، بل بالعمل والعرق والتضحية. الوطن لا يحتاج لمن يصفق له، بل لمن ينهض به. لا يحتاج لمن يتغنى بحبه، بل لمن يُثبِت هذا الحب بإخلاصه وتفانيه.

الخاتمة: الوطن في القلب قبل أن يكون على الخريطة

في النهاية، الوطن ليس مجرد مكان نعيش فيه، بل هو كيان يعيش فينا. هو الإحساس بالانتماء، والمسؤولية، والتضحية، والبناء. الوطنية ليست حفلة صاخبة، ولا خطبة حماسية، ولا منشورًا على مواقع التواصل. إنها عمل يومي، إخلاص مستمر، حب لا يذبل، ووفاء لا يُباع. كن وطنيًا بحق، اجعل وطنك فخورًا بك، ولا تكن ممن يبيعون ترابه بثمن بخس.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :