تَنّوَه
مايشبه ترسب التجارب والمعرفة
- سعاد سالم
رحلة المهرج
أنا واقعة في غرام فكرة ال ستاند اب كوميدي، نعم الفكرة ساحرة،وأسميها فكرة لأنها نتجت عن سلسلة من التغيرات، وعرفت غرامي هذا في التسعينات بينما أتابع المسرحي التونسي الشهير (الأمين النهدي) ومسرحيات الشخص الواحد بصفة عامة، كما يطلق عليها المسرحيون، بسبب الاختلاف الرئيسي حسبما أتصور في كون الفنان في ال ستاند اب كوميدي فعليا هو يقول قناعاته تماما كما أكتب مقالتي هذه ، فيما مسرح الشخص الواحد هو تأدية دور أكثر منها رأي شخصي، ومع هذا يقتربان حسب رأي أيضا ، في كونهما في النهاية نقد لاذع،و لأن الأفكار اللاذعة يتحمل مسئوليتها قائلها ،أي الشخص الواقف وحيدا فوق الخشبة، وبسبب من طبيعتي النقدية لما يسقط في رأسي من أحداث وكدس من المشاهد المختلفة والمتناقضة والمتوازية والمتقاطعة والمشتبكة وحتى لمقطعة وديرات،لطالما رأيت في هذا النوع من التركيز على أن يكون النقد يأتي من مصدر واحد وهو الفنان الوحيد ،إنما هي فكرة عبقرية ذلك لرسمه لصورة شديدة الوضوح للأفكار والمعتقدات أو السياسات الخاضعة للنقد، ما يجعلها مرئية أكثر على طريقة ال هوت سبوت ضوء على من يراد التركيز عليه في العروض المسرحية ،لهذا كان تعلم الضحك الذي سميته سابقا بالخطير،عبر هذه الطريقة البديعة، إنما هو تحديدا وضع المسلمات ، أعني الكثير منها وكذلك الأنماط والأفكار السائدة تحت شلالات من الضحك، وأتصور هذه الرغبة الملحة للتغيير والإطاحة بالرموز والحكام بأمر الله وبفعل العرف وعلى سبيل العادات والتقاليد وإعادتهم إلى بشريتهم هو الذي أنتج المهرج قبل المسرح* ، المهرج الذي لم أحبه يوما ولم أجد في فقرات السيرك التي شاهدتها وإخوتي على أشرطة الفيديو بتلك الطرافة التي يروجونها عنه،بل بدا لي تافها حتى في ذلك العمر المبكر من آواخر سنوات الطفولة ، ولاحقا استثقلت دمه، وصولا إلى امتناعي عن مشاهدة فيلم المهرج ، فيلم من بطولته بعدما كان شخصا شريرا وعدوا لأحد أبطالي المفضلين في سلسلة (العملاق) الوطواط ،كان هو عدو كل خيّر)، ومن المفارقة كيف صار الوطواط لاحقا موازيا للمرض(فايروس كورونا مؤخرا) ، وكيف بات المهرج ، ضحية يتعاطف معها البشر،في فيلم بإيرادات تاريخية وفي مفارقة ثانية ملفتة أن المهرج صار شخصا شريرا ومريضا نفسيا، بعدما كان شخصا ساخرا من المستبدين والطغاة) تصورتن/ تصورتم؟ لعبة فعلا!
على فكرة : لا يوجد مايدعم قولي أن المهرج سابق للمسرح إلا ملاحظاتي ومحاولتي بناء لحم لفكرة هي هيكل في رأسي، غوغل يقول: أن المسرح سابق لظهور المهرج، لكن الهيكل الذي أخبرتكن وأخبرتكم أنه في رأسي إنما هو مبني على فكرة أساسية هى الحقيقة التي تقال في صورة بصارة ، وهى عمل يؤديه شخص واحد فقط ،حتى في صورة كاتب النص المسرحي، والذي سيكون هو فقط مسئول عن احتشاد المسرح باللاعبين أو الممثلين لفكرته.
Play
ربما لهذا تسمى المسرحية بالانجليزية بلاي أي لعب أو تمثل أو لبس شخصية، وهو في تصوري نسخة متحايلة أخرى على السلطة بعدم تحميل شخص واحد مسئولية مواجهة السلطة وصاروا جماعة يمثلون أدوارا، لأن كما أجزم أن المسرح خلق في الأصل ليكون متحايلا وساخرا أي قويا ناقدا محرضا بالهزوة وعلى هدّ بُنى الاستبداد أي التحايل – مرة أخرى- على خوف الناس من الحقيقة وهو خوف أقوى من خوف السلطة نفسها من أن يرى الناس الحقيقة ،بالسخرية من القيود الطبقية في كل صورها الأيدلوجية (الفكرية) والاجتماعية ، ليتحرر العقل ويصبح ما يجري على الستيج هو صوت الناس ولسانهم ، ويخفف من تورم مشاكلهم ،والأخطر أنه يحرر الغضب ، بل ويقوده صوب مصدره عوضا عن تشتته وظهوره في ممارسات عنف وجريمة واضطهاد،وفساد ،وهي أفعال يرتكبها الناس ضد بعضهم البعض، و أسُ المشكلة في النعيم يتمرغُ .
رد اعتبار
تابعت قبل عامين مسلسل كوري تدور قصته حول مهرج حل محل الملك بسبب الشبه بينهما ولأن الملك يريد التسلي فترك له مهام العرش وحتى عائلته فبرع الشبيه في فك شبكات الفساد في القصر، ففكك بذلك نظام الملك الذي يتمرغ في المُلك بسبب مايلهي فيه شعبه بل وحاشيته من تنافس على الشر، وفيما المهرج يلعب دور الملك رشحت ثقافته، ،و سلوكه المتواضع والمهذب ،وأثارت شكوك وحفيظة الجميع ،والمغزى في هذه الدراما الساحرة هو أن المهرج أو الشخص المتخفي في زي المهرج (قناع من التراث الكوري) لم يكن شخصا كما أوحت بها تسميته لمن يقرأ الأن ، أعني أن هذ النص في الحقيقة أعاد للمهرج سيرته الحقيقية، من كونه شخصا واعيا مثقفا ،السخرية والإضحاك أدواته لهدم جدار الخوف من السلطة، وأن مابات معروفا الآن بال ستاند اب كوميدي ، وعمق ما يطرحه أغلب نجماته ونجومه من انتقادات واعية ولاذعة لكل شيء ،كل شيء حرفيا، إنما هو النسخة المحررة من المهرج القديم ،والذي شوهته أو لنقل سخرت منه السلطة بنفس طريقته لتقلل من أهمية ما يقول ومن تأثيره على من يستمعون إليه ويضحكون، فالعبارات اللاذعة المغمسة في التقرقير هى التي لاتنسى ويكررها الناس، فتترسخ وتنمو كما لو كانت بذرة. ولايخفى هذا الدور للمهرج فيما تحقق في منجز الحقوق والحريات ما سمح لهؤلاء النجمات /النجوم المعروفين أن يظهروا بوجوههم بلا أقنعة احتاجها المتنور والمثقف زمن الاستبداد في العصور الوسطى .
يتحسسون المسدسات
لا أعرف من حول المسرح إلى عروض جادة أكثر من اللزوم ،متجهمة وبلغة متكلفة وحتى استعراضية، من جعله من ضمن مشاريع الرفاهية وسرقه من الناس العاديين ،منبرهم ومتنفسهم الذي قاد مجتمعاتهم للتغيير ؟ فالنخبة المثقفة التي تجعله حيازة خاصة إنما هي تخدم منافذ التضليل التي جعلت من الناقد لها مهرجا ، بهلول، عرادة ، و روما مجرد أشخاص ينظر إليهم بشفقة أو يطلقون خلفهم الصغار، من يعبأ بالدراويش، انه أسلوب السلطة ضد المهرج والمتصوفة في زمن قديم ، حتى صارت مهرج عزّارة في لغة المثقفين والمتنورين أنفسهم زي ماحدث للدرويش
للموضوع تتمة