مختار الورغمي
مساء صيفي تعطر بنسمات عشي هلت من ناحية البحر تداعب وجهي المرهق وأنا الخمسيني المسافر دوما . رواد المقهى تناثروا دون ترتيب . هذا سائح شرقي ينظر في الفراغ وكأنه يبحث عن حلم مفقود. تلك سائحة أجنبية تقود كلبها وتمعن في دلاله فبعض الكلاب أعلى قيمة من البشر. سائحة لم يعرف الجمال الى سحنتها طريقا ووجهها مزيج من ألوان غريبة. هناك شاب يرتدي تبانا يكشف عورته. لا مشكلة لي مع ما يكشف لكن يا صديقي ما ظننت أنه قد يغري فاتنة فتقع أسيرة حبك يشبه حد التطابق ” محماش” النار فراجع حسابتك واستر هذا الشيء لعلك تصل مبتغاك.
وضعت قهوتي السوداء أمامي وراودت حرفي لعل وعسى يولد بعض الهذيان فالمساء أفضل الأوقات. عاندني وهرب شاردا فكل الصور كالحة لا تستحق حرفا يكتبها.
وصلني رذاذ على حين غرة. رباه أتمطر الجزيرة صيفا؟ رفعت ناظري الى سماء بدت لي صافية وقد تزينت بمزن يبشر بخريف ممطر. ربما هي تهيؤات او ما شابه…لم أعر الأمر اهتماما ورحت اتابع عصفورين كانا على ما يبدو عاشقين. كانا يطيران حينا ويحطان حينا ويتبادلان بعض القبل. سرحت مع المشهد وفجأة أحسست بعض الماء يعانق قدمي.
أخيرا وجدتها . كانت حافية القدمين تمسك خرطوم الماء وتنظف المكان. تأملت تفاصيلها واستحضرت نزار في تلك اللحظة. كان يمكن أن تكون صحبة حبيبها على الشاطىء تمارس لحظات عشق وتنظر للدنيا بعين حالمة. صبية في عمر الزهور ، بسمتها تصنع الربيع في عز الصيف رمتها الدنيا هنا وحرمتها حياة مثل الصبايا.ظالمة هذه الدنيا وقاسية.
احترمت فيها لهثها وراء لقمة عيش صار من العسير تدبرها . كانت لا تتأفف وتلبي طلبات الزبائن رغم غرابة بعض التفاصيل . يا حافية القدمين لست وحدك في هذه الدنيا فكم صبية اغتالوا فرحها فكانت أيامها كعداد الكهرباء خالية من الحياة. غادرت المقهى ادندن بأغنية كاظم ” حافية القدمين” لعلني أنسى معاناة شباب في عمر الزهور تنكر له الوطن ….
جربة في 6 أوت 2024
* المحماش : كلمة عامية تعني العود اليابس الذي تستعمله النسوة لتحريك النار فيصبح أسودا .