تقرير : منى توكا
في واحدة من أكبر الكوارث الطبيعية التي شهدتها ليبيا تعرضت مدينة درنة في شرق ليبيا، لإعصار مدمر وفيضانات غير مسبوقة. حيث خلفت هذه الكارثة خسائر هائلة في الأرواح والممتلكات، وأجبرت آلاف الأشخاص على النزوح والبحث عن مأوى آمن.
أفاد الناجون من هذه الكارثة بتفاصيل مروعة عن ساعات الرعب والتحديات التي واجهوها خلال هذه الفاجعة الكبيرة.
وفي حديثنا مع معتز عبدالكريم، أحد الناجين، أوضح أن الإعصار والفيضانات كانا مفاجئين للسكان.
في البداية، كان المطر ينزل بشكل طبيعي، ولم يتوقع الأهالي أن تتحول الأمور إلى كارثة.
وعلى الرغم من تحذير الجهات الأمنية والهلال الأحمر للسكان بالانتقال من المناطق المنخفضة، فإن الكثيرين لم يأخذوا تلك التحذيرات على محمل الجد.
وواصل معتز شرحه قائلاً: “بدأت المشاكل تتصاعد حوالي الساعة 1:30 صباحًا، حين ارتفعت المياه واجتاحت المناطق المنخفضة، لقد شهدنا مشاهد مأساوية، حيث تم تدمير العديد من المنازل وتشريد العائلات، كانت الموجة الثانية أشد قوة من الأولى، وارتفعت إلى مستويات غير متوقعة، مما تسبب في خسائر فادحة”.
وأشار معتز إلى أن الفقدان كان الجانب الأكثر صعوبة في هذه الكارثة، حيث فقد العديد من أصدقائه وأقاربه، لم يعد بإمكانهم استعادة المنازل والممتلكات المادية، ولكن ما يهمهم الآن هو الشعور بالأمان وإعادة بناء حياتهم.
وأضاف معتز بالنسبة للحكومة والشعب المتضامن، قدموا مساعدات كبيرة للناجين، حيث تعاونت الهيئات الحكومية والفرق الإغاثية معًا لتوفير المأوى والطعام والمياه للمتضررين، ومع ذلك، لا تزال هناك العديد من التحديات التي تواجهها تلك العائلات النازحة، حيث يعانون من ظروف المأوى غير الملائمة في المدارس ونقص المرافق الأساسية مثل المياه والكهرباء.
وتقول إحدى الناجيات إن منزلهم تعرض للغرق بسبب الارتفاع المفاجئ لمنسوب المياه، بينما كان الفزع يسيطر على العائلة، انقطعت سُبل الهروب وأُغلقت الأبواب على الأب والأم والأطفال. لكن الأب، بكل شجاعة وتضحية، حاول بكل قوته فتح الباب وإخراج أفراد العائلة، للأسف، تحوّلت هذه المحاولة اليائسة إلى فاجعة، حيث توفي الأب بعد أن أغلق الباب عليه وجرفت السيول الأم خارج المبنى بعد خروجهم من الشقة.
وتقول، فيما كانت تتشبث بيد أخيها، إنها كانت تراقب بألم الأم الميتة وهي تفلت من يدها وتبتعد في غمار الفيضانات المدمرة، لم تجد الفرصة لإنقاذها، وبينما كانت تشعر باليأس والخوف يتسللان إلى قلبها، تمكنت هي وشقيقها البالغ من العمر 10 سنوات من الصعود إلى الدور الرابع من المبنى المحاصرين فيه وبقيا هناك لثلاث ساعات قبل أن يتم إنقاذهما من قبل المتطوعين.
تعليقًا على الحادثة، صرحت الناجية فاطمة علي قائلة: “لقد فقدت كل شيء في هذا الإعصار، منزلي وممتلكاتي، وأسوأ ما في الأمر أنني فقدت طفلي الصغير. لم تكن لديّ أي فكرة أن الأمور ستتحول إلى هذا الحد، أشعر بالحزن واليأس، ولكني أحاول أن أظل قوية من أجل البقية من عائلتي”.
تشهد شهادات الناجين عن حجم الدمار والتضحية التي شهدوها، حيث وصف الناجي حكيم محمدو الفيضان في البداية بأنه خفيف، لكنه تصاعد بشكل سريع وأصبح أقوى في غضون ساعتين، بعد أن تلقوا أمرًا بإخلاء منازلهم، لجأ السكان إلى العمارات المجاورة. وفيما يروي حكيم قصته، قال: “كنا في الدور الأول من العمارة، وكان الفيضان قويًا لدرجة صدمتنا، عندما دخل الماء على غفلة وتجاوز التوقعات، اضطررنا لنقل عائلاتنا إلى الدور الثاني، ثم ارتفع الماء أكثر وصعدنا إلى الدور الرابع”.
ومع ذلك، كانت الكارثة تتصاعد، حيث واجه حكيم تحديًا غير متوقع. قال: “عندما عدت إلى الباب لإغلاقه بواسطة الألواح، دفعني الفيضان و رماني على الكنبة في الصالون، مما أدى إلى كسر الجدار، وقعت وسحبني التيار إلى الدور الأول، ثم دفعني ورماني من النافذة وسقطت على عمود الكهرباء، حيث تمكنت من الإمساك به”.
بينما كان سعيدٌ يساعد عائلته، كان يشعر بالحزن العميق عندما سُئل عن جارته التي لم تصعد معهم إلى المبنى الآمن. أجاب بأن السيل جرفها، بالإضافة إلى جاره الآخر وعبدالناصر وأطفاله الثمانية الذين جرفهم السيل.
تأثرت المنطقة بشكل كبير، حيث امتدت آثار الفيضانات إلى تدمير الممتلكات والمساكن، ومع ذلك، أعرب حكيم عن امتنانه للتعاون الذي تلقوه من الحكومة والمتطوعين، حيث لم يدخروا جهدًا في تقديم المساعدة.
وقال حكيم: “حمدًا لله، خلال هذه الفترة التي قضيناها في المدرسة، تعاون الجميع معنا، الدولة والمتطوعون من مختلف مدن ليبيا لم يقصروا معنا”.
في رسالته، يحذر حكيم الجميع من تجاهل إنذارات اللجان المختصة، مشيرًا إلى أهمية الخروج في حالة التحذير ويوجه رسالة إلى المسؤولين، قائلاً: “عليكم أن تقفوا جميعًا في صف واحد، وأن تكونوا يدًا واحدة، حتى نتخذ قرارًا واحدًا لإنقاذ الناس من هذه المحنة التي يعانون منها”.
ويجب على الحكومة تحمل مسؤوليتها والتصدي لهذا الوضع الصعب. حيث يعلق حكيم قائلاً: “إذا لم تهتم الحكومة بالأوضاع التي يعانيها المواطنون، فما هي الجدوى من وجودها؟” كما يشيد بالدول المجاورة مثل تركيا ومصر التي قدمت المساعدة ولم تبخل على الناجين.
وروى لنا أحد الناجين اسمه محمد تفاصيل تجربته المروعة خلال الفيضانات في البداية، أشار إلى أن الأمطار الغزيرة التي هطلت على المنطقة بشكل مفاجئ تسببت في تجمع المياه في الشوارع والأحياء، ومع تصاعد منسوب المياه بسرعة مذهلة، تعذر على العديد من السكان الوصول إلى منازلهم، وقد تم إصدار تحذيرات من احتمالية حدوث فيضانات قوية، لكن الكثيرين لم يتوقعوا أن تكون الأمور بهذا السوء.
وقال محمد: “كانت الرياح عاتية والمياه تتدفق بقوة هائلة، لم نكن نستطع تصور مدى الدمار الذي سيحدث، فزعتنا تصاعدت عندما شاهدنا الأنهار تفيض والسيارات تُجرف والمنازل تغرق تحت المياه”.
تمكن محمد من النجاة بأعجوبة بفضل مساعدة أحد أفراد الفرق التطوعية من الهلال الأحمر، الذي أخرجه بأمان من المياه الغاضبة، وقد شعر بالامتنان العميق لهؤلاء الأشخاص الذين وضعوا حياتهم في خطر لمساعدة الآخرين.
وعلق محمد على التعافي قائلاً: “رغم الخسائر الكبيرة التي نعانيها، فإننا نرى شرائط الأمل تلوح في الأفق، الجميع متحدون في جهود إعادة بناء المدينة وتعزيز الروابط المجتمعية، أتمنى أن تتعلم الحكومة من هذه الكارثة وتتبنى استراتيجيات أفضل للتعامل مع الطوارئ”.
تروي الناجية فاطمة تركي قصة اللحظات الرهيبة التي عاشتها هي وعائلتها حيث قالت: “كنا نائمين في الساعة الثالثة صباحًا عندما اتصل ابن خالتي بوالدتي بصوت مرتعب، يخبرها بأن تستيقظ وتوقظنا، وأخبرنا بأن السيل قادم”.
وأضافت فاطمة: “كنا في منطقة مرتفعة نعتقد أننا آمنون من السيل، خرجنا إلى الشارع ومنزلنا قريب من مسجد الصحابة، وقد جرفت السيول نصف المسجد، وبعد عدة دقائق لاحظنا أن السيل وصل إلى قبة المسجد”.
وتابعت فاطمة: “خرج الجيران جميعًا إلى الأعلى، وقالت والدتي إنها لن تترك بيتها وتبقى لتتضرع إلى الله، بدلاً من الهروب، طلبت منا أن نتوضأ ونصلي ونتشهد، وبالفعل قمنا بذلك حتى الساعة السابعة صباحًا، وكنا مرعوبين، ثم خرجنا ورأينا أن السيل انحسر قليلاً، والحمد لله لم يتسبب في خسائر في الأرواح لنا، ولكن المطر أتلف نصف المنزل”.
تعبر فاطمة عن حزنها وألمها لفقدان الأقارب والجيران جراء الفيضانات، حيث قالت: “لقد فقدنا نصف أقاربنا وأيضًا جدي الذي كان قريبًا من منزلنا، لقد اجتاحهم السيل ولم يتم العثور على جثتهم حتى الآن”.
وتروي فاطمة قصة شخصية مأساوية، حيث قالت: “نعرف أسرة فقدت نصف أفرادها، وبعد ثلاثة أيام عثروا على الأم التي كانت حية، لقد تم إنقاذها بفضل فرق الإسعاف، ورزقت بفرصة جديدة في الحياة”.
وأضافت فاطمة: “البيئة الطبية التي نعيش فيها ليست جيدة للسكن، حيث أن الأطفال المرضى يعانون من طفح جلدي وكل أم تخشى على أطفالها، لذا قمنا بوضعهم في دار منفصلة حتى لا ينتشر أي وباء، وبعد عدة أيام بدأت حالات الطفح تتحسن، وتبين أن السبب يعود إلى ضعف نظافة الحمامات”.
تشير فاطمة إلى صعوبات أخرى يواجهونها، حيث لم تصل المساعدات بشكل كامل، واقتصرت على عدد قليل. وقالت: “تلقينا مساعدات ناقصة جدًا، حيث يصلنا جزء ضئيل فقط من المساعدات والملابس المستعملة التي يتم إرسالها”.
وفي ختام حديثنا معها، تشير فاطمة إلى أهمية توفير الأدوية وتوزيعها بشكل كامل وتقول: “هناك منظمة ناشطة تحدثنا معها بشأن الأدوية، ونحن بحاجة إلى توفير جميع الأدوية، ليس بعضها فقط، حتى نتمكن من التصدي لأي حالة طارئة”.
تشهد مدينة درنة حاليًا جهودًا مكثفة لتوفير الدعم للناجين، وفي الوقت نفسه، تأمل الحكومة في توفير مساعدات إضافية من المنظمات الدولية والمجتمع الدولي لمساعدتها في إعادة الإعمار وتحسين الظروف الحياتية في المدينة، أما الناجون، فلا يزالون يواجهون تحديات كبيرة في إعادة بناء حياتهم والتعامل مع الصدمة النفسية الناجمة عن الفاجعة.
وعلى الرغم من الدمار الهائل والخسائر التي لحقت بمدينة درنة جراء الإعصار والفيضان، إلا أن الروح المتحدة والتضامن في المجتمع تعزز الأمل في إعادة بناء المدينة وتجاوز هذه الكارثة.