بقلم :: عائشة إبراهيم
قد تصحو فجأة لتجد أن أحد أبنائك قد كبر، وتلوح لك في الأفق بشارة مناسبة سارة: حفل تخرج أو خطوبة أو زفاف..عليك أن تتنفس بعمق وتعد حتى المئة قبل أن تقول له: “ادلل يا ابني”.. فالأمر حتما ليس كما كان في سابق عهدك، فقد حدثت طفرات مهولة في تقاليد المناسبات الليبية، وخضع الأمر لحزمة من التحديثات من الصعب اللحاق بها، وقد تحتاج إلى كورس سريع ومكثف لمعرفة آخر التطورات في فنون الاحتفال بالمناسبات الاجتماعية.
فحفل التخرج يحتاج إلى بوفيه طويل مغطى بشرشف عنبيّ اللون إذا كانت فتاة، وأزرق اللون إن كان شاباً وتصطف فوقه عشرات الأطباق من المعجنات والحار والحلو والمشروبات في زجاجات مغطاة بقبعة التخرج، التي تُلصق أيضاً على الملاعق والكؤوس، ولا تنسَ الشموع المضاءة في وسط أطباق الأرز، أو قطع (الميني تارت) المصممة على شكل أدوات هندسية أو سماعة طبيب أو جهاز كمبيوتر أو منصة قاضٍ أو حسب تخصص الطالب.. ولابد أن يتوج كل ذلك بالتصوير والنشر في مواقع التواصل الاجتماعي (وكل واحد يكيد اللي قبله).
أما حفل الزفاف فيتحول إلى حفل تنكري ترتدي فيه الليبيات الزي الخليجي
والمغربي والهندي والتركي والإيطالي، وعن تجهيز لوازم العروس فذلك يتم التعهد به إلى شركة متخصصة نظام (مقاولات) تبدأ باستلام العروس (هيكل) وتتولى جلسات الماسكات والترطيب والصبغة والميكاب وتغليف (البتات) ولف الشراشف على هيئة فراشة، وتشكيل الفوط على هيئة زهور، وترتيب الشيكولاتة كأنها قطع من الألماس والذهب، ناهيك عن فطور يوم الحمام الذي يتضمن بوفيه خرافياً، يستعرض كل ألوان الجبن المتاحة في الأسواق، وأصناف المربى والقشدة والزبد والكروسانات والبانكيك والسينابون، أما البيض المسلوق فترسم علي قشرته جميع اسمايلات الفيسبوك، فتجد بيضة ضاحكة وأخرى حزينة وأخرى متعجبة وأخرى ساخرة كما تجد (تاق) على البيضة فيه اسم كل أصدقاء الصفحة، ويتم التقاط الصور لنشرها قبل التهام الفطور.
ولا تنسى العروس أن تخترع لنفسها شيئاً حصرياً تكيد بها العرائس التي سبقتها، فهذه التي وزعت قطع الشيكولاتة مغلفة بورقة نقدية من فئة خمسة أو عشرة دينار، وتلك التي عرضت ملابسها على (دمية الميليكان) ووزعتها في أرجاء صالة الأفراح، وستأتي أخرى لتعرض ملابسها في كرنفال مفتوح يطوف الشوارع، أو قد تتعاقد مع قناة تلفزيونية لتقديمه في فيلم قصير، وسيكون هناك حلقة يومية عنوانها: (شن بتاتك ياعروستنا)!!.
ولا يسع المجال للحديث عن ظاهرة تغيير الأثاث في كل مناسبة وتغيير أطقم التقديم فمفارش السفرة هذا العام مصنوعة من قماش (الروقانزة المشغولة بخيوط الذهب) خلافا للعام الماضي الذي كانت فيه من الدانتيل، أما طقم السيرفيز فقد اكتسح الطلياني مجموعة الهندي التي لم تصمد إلا عاماً واحداً رغم جودتها ونقوشها البديعة. كل ذلك والمرأة الليبية تشتري وتشتري وتلهث محاولة اللحاق بصرعات الموضة، وكلما استكملت مجموعتها من أطقم التقديم وقامت بعرضها في مكتبة أنيقة (ليس فيها كتاب واحد)، تداهمها صرعة جديدة من الجلسات والستائر والأطباق والكؤوس، فتلقي بالقديم في دار الخزين ليأكله السوس، بينما تتباهى المرأة في المجتمعات الأوربية بمقتنياتها القديمة، وتذكّر ضيوفها بأن فناجين قهوتها هذه من العصر الفيكتوري أو عصر نابليون، في حين تغلق الليبية أنفها وتقول ( أعّيه فناجينها من عام جهروا البحر).
ولأننا سوق استهلاك لتلك القوى الاقتصادية العظمى التي تقدم قهوتها في فناجين العهد الفيكتوري وترسل لنا في كل دورة فصلية منتجات جديدة نتكالب على شرائها، فإننا بذلك نصنف من الدول ذات (الاستهلاك التفاخري) ويشيرون إلينا (غامزين) بأننا الشعوب التي تعاني من غيرة اجتماعية ولابد أن تشتري كل ما يطرح لها في الأسواق. وكان قد أشار الاقتصادي الأمريكي (فبلن) إلى الاستهلاك التفاخري في كتابه “نظرية الطبقة المترفة”، كما كتب (دوزنبري) أن استهلاك الفرد لا يتوقف على ذوقه وما يريده هو، بقدر ما يتأثر بما يستهلكه جيرانه وزملاؤه، وأن عدم وجود مُثل خلقية وثقافية، الغرض منها تنمية الفرد وقدراته، يجعل من الفرد أداة للاستهلاك، دون أن يجعل منه إنسانًا حقيقيًا.
فهل أنت إنسان حقيقي؟