صوت الكمنجة ” الغزل حينما يكون ساطعا “

صوت الكمنجة ” الغزل حينما يكون ساطعا “

يحي القويضي

أفهم وظيفة الأدب ـ بشتى صنوفه ـ على أنه محاولة ناعمة لأنسنة الحيوان داخل الإنسان.بسبب ذلك، لا أحبذ التعاطي مع شعر الغزل قراءة أو سماعا؛ لكونه يتحرك ضمن الحسية الغرائزية، وليس المعنوية السامية.لكن أحيانا يرغمك شعر غزلي ما على أن تستثنيه. شعر يسطع أمام عينيك، فينسيك أوهامك عن الأدب ووظائفه، ويدفعك لتجاهل قوانينك التي نسجتها ظانا أنه يمكن أن تتأطر الحياة بتعقيداتها داخل قوانين.قصيدة البيت الواحد للشاعر فرج اغنيّة “رشف المناهل”، يمكن تصنيفها ضمن هذا النسق.فرادتها، ومفرداتها، وتركيبها، وموسيقاها، أسطع من أن يتجاهلها المرء.هيا لنقرأها معا :

جمالك مزج بين شام وفرنجة

وصوتك كـمـنـجـــة

عليها عزف “باخ”،،، في حفل طنجة.

أتصور أن رشف المناهل يصف فتاة شقراء؛ ومع أن الشقرة في المخيال العربي لا توحي بالطمأنينة ولا الجمال، لأنها أرتبطت ـ عبر تاريخنا ـ بالآخر المعتدي: إغريق، رومان، صليبيين، استعمار حديث؛ لكن فرج أمتلك القدرة على توظيف هذا المقياس الجمالي ضمن شعر شعبي ليبي، يخاطب بيئة معادية ـ نمطيا ـ للشقرة، وما وراءها.أيضا فاختياره تشبيه صوت فتاته بصوت “الكمنجة”، فيه غرابة ولا مألوفية؛ الأشيع هو تشبيه صوتها بتغريدة عصفور رقيق، أو إذا سايرناه فليشبهه بترنيمة قيثارة، أو معزوفة بيانو؛ أما صوت “الكمنجة” ففيه من القوة، والشجن، والصرامة، ما يصعّب إدماجه ضمن سياق التغزل بفتاة!.ومع ذلك،، رشف المناهل عاند، وصاغ تشبيهه الغريب ضمن تركيبته المدهشة هذه؛ وباقتدار.لفت نظري فرج علي بتراكيبه الغريبة التي ترغمك على التمعن فيها مليا؛ وكذلك باستدعائه واستخدامه لمفردات “حداثية” لا نسمعها لدى غيره.أيضا، من وراء شعره يبدو للعين بوضوح ذكاءه الحاد، وثقافته، وثراء خياله، وجرأته، وتمرده أيضا.

هو لازال شابا في بدايات مشواره، ولازال يخوض تجاربه، ويعيد التشكل على ضوءها؛ ساستمر في متابعته، لأني أظن أنه سيشكل محطة فارقة في بنية الشعر الشعبي الليبي، وسيفتح أمامه آفاق أخرى لم يعهدها.فرج،، اقرأ كثيرا،، انعزل طويلا،، ثم تأمل، وانظم، وتجرّأ إلى أبعد مدى ممكن.فرج،،، كن مختلفا.

للوحة: عازفة الكمان. للفنان العراقي زياد الرسام.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :