- تقرير :: إبراهيم الخيالي
“ربيعو” شاب ذو خمسة وعشرين ربيعاً ..عاش حياته في إحدى أحياء ” أغاديس” الفقيرة.. يستيقظ باكرا ليصلي الفجر وينطلق إلى سوق المدينة حيث يقضي يومه في البحث عن عمل يقتات منه ما تيسر من طعام ، ليعود إلى داره بعد يوم شاق حاملا في يده أرغفة الخبز وبعض الخضار ، ليجد والدته وإخوته الأربعة في انتظاره وهم يتضورون جوعا.. “ربيعو” عادةً ما يعمل حمالا في مركز مدينة “أغاديس” حيث تنشط حركة سيارات النقل ، حيث تعتبر “أغاديس” نقطة التقاء وانطلاق القوافل البرية من وإلى وسط و شمال القارة السمراء. مرت الأعوام ،و لم يعد الوضع يطاق بالنسبة ل”ربيعو” الذي ترك مقاعد الدراسة باكراً بعد وفاة والده ليتفرغ للعمل ، وإعالة أسرته التي باتت همه الوحيد وشغله الشاغل.
إغواء الحاج لولي !
ذات يوم وبينما هو يحمل أمتعة “الحاج لولي” أحد المسافرين إلى ليبيا قال له الرجل العجوز: أنت لازلت شابا والمستقبل أمامك..لماذا لا تهاجر إلى ليبيا و تحاول أن تبني مستقبلك و تجرب حظك هناك؟ فليبيا بلد يزخر بالخيرات و أنا متأكد أنك ستنجح وتتحصل على فرصتك .
فأجابه “ربيعو” مندهشاً : لم أفكر بهذا الأمر من قبل وأسرتي تحتاجني هنا. رد عليه العجوز “لولي” قائلا: أنا لا أوافقك الرأي..أسرتك تحتاج إلى المال وإخوتك تنقصهم مصاريف الدراسة وأنت الأعلم بذلك …فكر في الأمر وأتمنى أن تصل إلى قرار سليم يا ولدي.
ليلة القرار و الفرار من الفقر ..
عاد “ربيعو” إلى داره بعد غروب الشمس وهو شارد الذهن على غير العادة و دخل البيت ذاهلاً مشتت الأفكار.. بادرته أمه بالسؤال: في ماذا تفكر يا بني؟ لم يجب “ربيعو” والدته واستلقى على فراشه وهو يتمتم ..كلام الرجل صحيح..الكثير من أصدقائي غادروا البلاد وظروفهم أقسى من ظروفي ..لمَ لا أحاول؟ كانت ليلة عصيبة على “ربيعو” وما إن طلع الصبح حتى خرج إلى مركز المدينة وذهب إلى مكتب البريد ليتصل بصديقه “سليمان” الذي يقيم في “طاوا” في وسط النيجر..”سليمان” هو الآخر يتيم الأب و الأم ويعيش مع عمه وكان في يوم من الأيام زميلاً ل”ربيعو” في الدراسة ، إلا أن وفاة والديه جعلته ينتقل إلى “طاوا” ليعيش مع عمه هناك..ما إن أخبره “ربيعو” بالفكرة حتى وافق على الفور و بادره بالقول: غدا سأكون في “أغاديس” انتظرني.
مساء اليوم التالي وصل “سليمان ” إلى أغاديس والتقى ب “ربيعو” في إحدى مقاهي المدينة وكان متحمسا جدا لفكرة السفر والهجرة وقالها صراحة لصديقه :نحن لم يعد لنا موطئ قدم في هذا البلد ،هذه فرصتنا الأخيرة يا صديقي الأمر لا يحتاج إلى المزيد من النقاش والتفكير ، علينا أن نضع خطتنا وننطلق.
قاطعه “ربيعو” قائلا: ولكن علينا أن نجمع بعض المال قبل ذلك فالطريق طويلة ونحتاج إلى مصاريف السفر والأكل.. ابتسم سليمان وأمسك بيد صديقه وقال: على بركة الله لنبدأ العمل منذ الآن .
قافلة المجهول !
مرت أيام و “ربيعو” وصديقه “سليمان” يبذلان جهدا جباراً من أجل كسب المال و جمع مصاريف الرحلة حتى جاء اليوم الذي قررا فيه أن ينطلقا إلى ليبيا. كان “ربيعو” مترددا وهو ينظر إلى إخوته ووالدته وهم نائمون قبل أن يخرج من البيت ، لكنه اقترب من والدته وطبع قبلة على جبينها قائلا: سامحيني يا أمي، سأعود يوما ما أعدك بذلك. كان “سليمان” في انتظار “ربيعو” في المحطة وكان عدد الركاب كبيرا، إنه موسم الهجرة كما يسمونه هناك. المهاجرون أتوا من عدة بلدان مجاورة كنيجيريا و الكاميرون وبنين و أفريقيا الوسطى وحتى من سيراليون و ليبيريا،الشاحنة بدت كجبل متحرك يحمل البشر والأمتعة..الجنسيات لم تكن مهمة والأوراق الثبوتية ليست شرطا في مثل هذه الرحلات..وحتى الأعمار ليست محددة..الكبار و الصغار نساءً و رجالاً ،، كلهم مسموح لهم شريطة دفع الأجرة المتفق عليها. انطلقت القافلة بعد صلاة الفجر من “أغاديس” متجهة إلى الجنوب الليبي وكل من فيها واضعاً يده على قلبه ، فالأوضاع هناك ليست على ما يرام والكثير من القصص والمواقف حصلت في المرات السابقة كانت نتيجتها كوارث و نهايات ليست سعيدة.
بعد أيام من انطلاق الرحلة عبر الطرق الصحراوية الوعرة وصلت القافلة إلى ” دركو ” حيث جرت العادة أن تلتقي القوافل هناك للراحة و صيانة السيارات و الاطمئنان على المسافرين. جلس “ربيعو” و”سليمان” تحت شجرة وتبادلا أطراف الحديث وكان “سليمان” أكثر حماسا من صديقه الذي سأل: كم يوما نحتاج لندخل إلى ليبيا؟ أجابه “سليمان” وهو يضحك: نحن مازلنا في بداية الطريق والسائق قال لي إن الرحلة قد تستغرق عشرة أيام. بعد يوم من الراحة انطلقت القافلة صوب الأراضي الليبية ومن هنا بدأت الدراما. وتستمر الأحداث….
ترقبوا الجزء الثاني من قافلة “ربيعو” و صحارى الجوع !