- المهدي يوسف كاجيجي
( هذه قصاصات لكتابات صحفية، مضي علي نشرها ما يقارب من نصف قرن، تغيرت فيها الدنيا. نعيد النشر بعد اختزال النص الاصلى، بما يتناسب وفكر جيل الأحفاد الرقمى، ليعرفوا كيف كان زماننا.)
حكاية اللقاء مع كاسترو
اللقاء بفيديل كاسترو كان معجزة، فالمعروف فى كوبا أن لقاءه بالناس بدون حواجز، ويناديه الجميع ، شعبا ومسؤلين ، ” فيديل ” دون القاب . ولكن اللقاء بالصحفيين وخاصة الأجانب منهم يعتبر شيئا نادرا بل مستحيلا في بعض الاحيان. المهم في اليوم الرابع من وصولى لهافانا، وجهت الدعوة للأعضاء المشاركين فى المؤتمرالسابع للمنظمة العالمية للصحافة، لحضور حفل افتتاح مدرسة زراعية ثانوية فى قرية تبعد عن العاصمة حوالى سبعين كيلو مترا، وكان فيديل كاسترو حاضرا الحفل، وألقى خطابا استغرق اربع ساعات، وفي نهاية الخطاب اطلق صرخته المشهورة : ( باتريا او مويرتي ) – وترجمتها ” الوطن او الموت ” رددها خلفه الالاف من الطلبة الحاضرين. التفت لمرافقى روفائيل معلقا:خطاب طويل لكاسترو. فضحك وقال بحماس : بالعكس ، لقد كان قصيرا اليوم، خطاباته الجماهيرية فى ميدان الثورة تصل لأكثر من سبع ساعات متواصلة. بعد الافتتاح أقيم حفل عشاء في حديقة ” لابنشيدا ” البديعة بنباتاتها وأزهارها النادرة، التابعة لكلية الزراعة بجامعة هافانا. العشاء كان على طريقة أخدم نفسك بنفسك. بعدها كوّن الحاضرون دوائر للسمر وللغناء والرقص، وقام العرب المشارقة بتقديم رقصة الدبكة اللبنانية.
فيديل .. فيديل .. فيديل
فى ركن قصي، وقف فيديل كاسترو يحيط به عدد من جنود الميليشيا الشعبية، ومجموعة من الشباب والفتيات، كانت مناقشات مرحة وردود فعل ضاحكة، وعندما اقتربنا من الدائرة اطلق مرافقي رافائيل ضحكة مجلجلة، فسألته عن ماذا يضحكه ؟ – فاجاب وهو يواصل الضحك: لقد سألته الفتاة هل هناك تغيير فى السياسة الامريكية تجاه كوبا مابين الرؤساء نيكسون وجونسون ؟ – فرد كاسترو: نيكسون خنزير وجونسون خنزير، وكل سياسة امريكا سياسة خنازير. سألت رافائيل: هل من الممكن الحصول على مقابلة صحفية مع فيديل كاسترو الان ؟ – أجاب: لا أعتقد ولكن لنحاول. قام بكتابة ورقة سلمها لرجل الميليشيا، الذى قرأها وهز رأسه علامة الرفض. ظل كاسترو يتنقل من ركن إلى ركن، مواصلا نقاشه مع الشباب، وظللت اتابع تحركاته على بعد، دون أن يدركنى اليأس. وفجأة ومضت فى رأسى فكرة، فقلت لرافائيل: أنا اطلب منك معروفا لن أنساه،إنها محاولة للفت نظر كاسترو حتى يرانى، ومطلوب منك أن تترجم وبسرعة ما اريد أن أقوله. رد رافائيل وبتلعثم : سأحاول، وأرجو أ ان لا أخيب ظنك. أقتربت اكثر واخترقت دائرة الشباب بين النظرات الغاضبة، واقتربت اكثر من الدائرة الأمنية التى تشكلها الميليشيات حوله، وبأعلى صوت صرخت : فيديل .. فيديل .. فيديل، التفت كاسترو باستغراب، ورمقنى الحرس بنظرة غاضبة، وتابعت وبأعلى صوتي : سيد فيديل، أعتقد أنه ليس من العدل أن اقطع اكثر من ثلاثين ساعة طائرا، لأصل الى بلادكم الجميلة، ويسعدنى الحظ بان يجمعنا مكان واحد، ويفصل ما بيننا أمتار قليلة، وأفشل فى الحصول على لقاء صحفى معك لجريدتى. كان رافائيل شجاعا، ولم تخفه النظرات الغاضبة لرجال الحراسة وقام بترجمة كل ما نطقت به وبصوت عالٍ. ابتسم كاسترو وسأل رافائيل وهو يهرش فى لحيته الكثة: من أين صديقك ؟ – فاجاب: من ليبيا . استمرت الابتسامة مرسومة على وجهه وهمس فى اذن واحد من مساعديه الذى أشار لرجال الميليشيا فسمحوا لى بالمرور. كان أطول وأضخم مما كنت اعتقد. صافحنى بحرارة وربت على كتفى قائلا: مرحبا بك ايها الليبي في بلادنا،أوافق على إعطائك حديثا لصحيفتك الغراء بشرط أن لن تطيل. انحنينا جانبا وجرى الحوار وقوفا تكلم عن الثورة فى ليبيا، وكانت لم تكمل من عمرها العام والنصف بعد، مبديا اعجابه برجالها وما حققوه من إنجازات، في اجلاء القوات الأجنبية، ورفع أسعار النفط، وتأميم المصارف. واعتبرها حدثا هاما ومكسبا للحركات الثورية فى العالم، ودفعا جديدا لحركة الثورة العربية. وعن القضية الفلسطينية أعلن عن دعمه لشعبها. طال اللقاء فاقترب رافائيل مني وهمس فى أذني : لقد وعدت فيديل بان يكون اللقاء قصيرا، فيجب وفاؤك بالوعد.فمددت يدى مصافحا وقائلا : فيديل ، أنا سعيد جدا بهذا اللقاء والشكر الجزيل لإتاحتكم الفرصة لى لهذا اللقاء وشكرا أيضا لعواطفك النبيلة نحو شعبنا.في الصباح كان اللقاء حديث الوفود وخاصة العربية منها والتندر بصيحتى فيديل .. فيديل .. فيديل .( جريدة الحرية يناير 1971م ) وإلى اللقاء غدا بمشيئة الله.