عبدالمنعم الجهيمي

في كل منزل، بين الجدران التي تحكي قصص الزمن، وبين ضحكات الأطفال وهمسات الكبار، هناك حكايات لا تنتهي، هناك تفاصيل صغيرة ترسم ملامح العائلة، أفراحها وأحزانها، لحظاتها العفوية وصراعاتها الدائمة مع الحياة، من هذه الزاوية الإنسانية، يخرج مسلسل “كتيب عائلة” ليقدم لنا انعكاسًا صادقًا لحياتنا اليومية، بقالب كوميدي اجتماعي يبهج القلب والعقل معًا.
عندما يحمل الإبداع توقيع المخرج الشاب هاشم الزروق، فاعلم أنك أمام عمل ليس عاديًا، بل لوحة فنية تجسد الواقع بروح مختلفة. بعد أعماله المتميزة مثل “آغرم المدينة العائمة” و**”ليستا”**،والنجدين.. يعود الزروق ليأخذنا في رحلة جديدة داخل تفاصيل الحياة العائلية الليبية، حيث تمتزج البساطة بالحكمة، والضحك بالتأمل، والواقع بالخيال.
المسلسل لا يكتفي برسم مواقف مضحكة أو تقديم شخصيات نمطية، بل يغوص في عمق العلاقات العائلية، ليُظهر كيف تتشابك المصالح، وكيف يواجه الأفراد صراعات الحياة، وكيف تبقى العائلة رغم كل شيء الملاذ الآمن الذي يحتضن الجميع. إن “كتيب عائلة” ليس مجرد مسلسل، بل هو مرآة تعكس واقعنا بعيون محبة، تسخر من تناقضاتنا بأسلوب راقٍ، وتجعلنا نبتسم لندرك كم نحن متشابهون رغم اختلافاتنا.
لا شك أن الكوميديا في هذا العمل تملأ الشاشة بالبهجة، لكنها ليست كوميديا فارغة. إنها ذكية، ساخرة، تُحرك فينا شيئًا أعمق من الضحك العابر، لأنها تُسلط الضوء على مواقف نعيشها جميعًا، لكنها تقدمها بحس فني يجعلك تفكر بينما تبتسم. إنها كوميديا المواقف الحقيقية، حيث الضحك يأتي من التعرف على أنفسنا في الشخصيات، لا من السخرية منها.
لا يمكن الحديث عن هذا العمل دون الإشادة بالمستوى العالي للإخراج والتصوير، حيث ينجح المخرج في خلق أجواء دافئة تجذب المشاهد، مستفيدًا من زوايا التصوير والإضاءة والموسيقى التي تلامس العين. كما يضم المسلسل نخبة من نجوم الدراما الليبية، مثل صلاح الأحمر، خالد بريك، وعادل بوشهبة، الذين أبدعوا في تقديم شخصياتهم بروح طبيعية مقنعة.
“كتيب عائلة” ليس مجرد مسلسل آخر يضاف إلى قائمة الأعمال الرمضانية، بل هو تجربة فنية تُعيد إلينا الدفء العائلي في زمن تباعدت فيه القلوب رغم قرب المسافات. إنه عمل يذكّرنا بأن العائلة ليست مجرد أفراد يعيشون معًا، بل هي حكايات تُروى، وذكريات تُصنع، وحب لا ينتهي.
في النهاية، إن كنت تبحث عن مسلسل يُضحكك، ويُبهرك، ويُحرك داخلك مشاعر قديمة، فـ “كتيب عائلة” هو الخيار الأمثل.. فهل هناك أجمل من أن تجد نفسك على الشاشة؟