اعداد … خديجة حسن
أخي المسلم: مر معك بر الوالدين، وحقيقته؛ وهو باختصار: الإحسان إليهما بوجوه البر والصلة، وعدم التقصير في حقهما.
وإليك أخي بعض صور بر الوالدين، وكيف يكون برهما؟
* طاعتهما فيما يأمران به:
طاعة الوالدين واجبة على الولد؛ إذا أمراه أن يسمع لقولهما، ما لم يأمراه بمعصية الله تعالى..
قال الله تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15].
بل إن العلماء أفتوا: أن الوالد إذا منع ابنه من صوم التطوع، فله أن يطيع والده.
سئل الإمام أحمد رحمه الله: عن رجل يصوم التطوع، فسأله أبواه أو أحدهما؛ أن يفطر. قال: (يروى عن الحسن أنه قال: يفطر وله أجر البر، وأجر الصوم إذا أفطر).
* خفض الصوت عندهما ومخاطبتهما بلين:
إن مما يؤسف له أن الكثيرين؛ إذا خاطب أحدهم أحد والديه؛ تجده يرفع صوته، ولا يراعي الأدب معهما! وهذا لا شك من العقوق؛ الذي حذر منه النبي r.
قال الله تعالى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23].
قال سعيد بن المسيب رحمه الله: (قول العبد المتذلل للسيد الفظ)!
وهذا ابن عون رحمه الله: نادته أمه مرة، فأجابها بصوت عال، فأعتق رقبتين!
* توقيرهما والتذلل لهما:
وهذا من لوازم البر؛ فإن كثيرًا من الأبناء؛ تجده يتعالون على الوالدين؛ فإذا أمره أحدهما بشيء، فكأنما في ذلك إهانة له! وخاصة إذا كان الولد كبير المنصب.
ولكن هذا الجاهل، غاب عنه؛ أن بر الوالدين ليس فيه إهانة ولا مذلة؛ بل إن المذلة في عدم طاعتهما!
قال تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء: 24].
قال عروة رحمه الله: هو أن لا يمنعهما من شيء أراداه.
وقال طاوس رحمه الله: (إن من السنة أن نوقر أربعة: العالم، وذو الشيبة، والسلطان، والوالد).
وأبصر أبو هريرة t رجلين، فقال لأحدهما: ما هذا منك؟ فقال: أبي. فقال: لا تسمه باسمه، ولا تمش أمامه، ولا تجلس قبله.
* استئذانهما إذا نوى السفر الطويل؛ لطلب علم أو غيره:
من البر استئذان الوالدين عند السفر الطويل؛ الذي يغيب صاحبه مدة طويلة.
فإن رضا الوالدين من الأمور الضرورية في مثل هذه الحالة. ولك أن تعتبر أن إذن الوالدين واجب؛ حتى في حق الذي يريد الخروج إلى الجهاد.
عن طلحة بن معاوية السلمى t، قال: أتيت النبي r فقلت: يا رسول الله، إني أريد الجهاد في سبيل الله. قال: «أمك حية؟» قلت: نعم. قال النبي r: «الزم رجلها فثم الجنة!» [رواه الطبراني/ صحيح الترغيب للألباني: 2483].
وجاء رجل إلى النبي r، فقال: جئت أبايعك على الهجرة، وتركت أبوي يبكيان. فقال: «ارجع عليهما؛ فأضحكهما كما أبكيتهما» [رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه/ صحيح أبي داود للألباني: 2528].
* الإنفاق عليهما وسد حاجتهما:
وهذا من لوازم البر الأكيدة؛ أن يطعم الابن والديه ويكسوهما، ويقوم على حاجتهما.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن لي مالاً وولدًا، وإن أبي يريد أن يجتاح مالي، فقال: «أنت ومالك لأبيك!» [رواه أبو داود وابن ماجه وغيرهما].
في رواية: «إن أولادكم من أطيب كسبكم، فكلوا من كسب أولادكم» [إرواء الغليل للألباني: 838].
* الدعاء لهما، سواء في حياتهما أو بعد موتهما:
إن من البر؛ أن يدعو الابن لوالديه بالرحمة؛ حتى وإن كانا أحياء وقد حثنا النبي r على الدعاء لكل من صنع إلينا معروفًا، فكيف بالوالدين؟! ومعروفهما فوق كل معروف.
وفي الدعاء لهما: أداء لبعض حقوقهما عليك، وليس ذلك بالصعب.
قال الله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24].
قال النبي r: «إن الرجل لترفع درجته في الجنة، فيقول: أني لي هذا؟ فيقال: باستغفار ولدك لك» [رواه أحمد وابن ماجه وغيرهما/ السلسلة الصحيحة: 1598].
قال بعض التابعين: (من دعا لأبويه في كل يوم خمس مرات، فقد أدى حقهما، لأن الله تعالى قال: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} فشكر الله تعالى أن يصلي في كل يوم خمس مرات، وكذلك شكر الوالدين؛ أن يدعو لهما في كل يوم خمس مرات).
وقال بعض الصحابة y: (ترك الدعاء للوالدين؛ يضيق العيش على الولد).