رمضان عبدالسلام
حلّت امس ذكرى تصفية الإيطاليين لعمر المختار. تعمدتُ أن اختار من ما كتبه فيه و عنه الإيطاليون بصفتهم عدو. اخترت أن أُظهر أن الإيطاليين لم يتمكنوا من المقاومة الليبية إلّا بتكتيك الإنفراد، فلم يوجهوا أي جهد رئيس نحو مقاومة البلاد في شرقها قبل ان يتمكنوا منها في غربها و جنوبها و كانت معركة تاقرفت الشهيرة من اعمال منطقة سرت و الجفرة هي خاتمة معارك المقاومة غربا و جنوباً و لم يتبق بعدها من المقاومة إلا أعمال دفاع عن حشود العائلات الفارّة نحو الجوار الغربي و الجنوبي و الشرقي .. و تعمدت ان أظهر أيضاً ان مقاومة عمر المختار كانت عملا حربياً منظما و ليست اعمال نهب أو ” تفليق” كما يدعي الإيطاليون إذ أن حوله نخبة من ضباط بشهادتهم هم … و ان الرجل حين أُسر كان في قتال و لم يقل إنه وشى به أحد من الليبيين و لم يقل الإيطاليون ذلك ..و نيتي ان يكون محتوى الإدراج يجمع على مفخار و مآثر طيبة ؛
لكن فوجئت ببعض التعليقات السلبية التي استدعت من ذاكرتها ما لم يكن في الإدراج لتحوله إلى غير ما قصد منه .. لم يكن “الأمر” في التعليقات على ما كتبت فحسب ، بل كان في إدراجات كثيرة يوم الأمس تناولت من سيرة عمر المختار رذائل من أفراد قد يكون روّج لها الإيطاليون و لم تُركّز على سلبيات فضائل المقاومة و مآثر المقاومين .. أيها الليبيون ؛ القادة و المقاومون مشاريع وطنية حتى في موتهم. الشعوب المكسورة و الطايحة تستغل حياة و موت قادتها في نهوضها..عمر المختار من هؤلاء. ليس عمر المختار وحده. بالأمس القريب تمكّن 6 من المقاومين الفلسطينيين من كسر قيودهم و تجاوز أسوار ساجنهم. قبل التمكن منهم روّج سجّانهم أن عائلات فلسطينية دلّت عليهم. حين تكلموا نفوا ذلك و قالوا أنهم تعمدوا أن لا يحتكوا بالعائلات حتى لا تؤخذ بسببهم!
فعلوا ذلك و هم يعلمون أن اتصالهم بالعائلات كان سينجيهم لكنهم أبوا .. عمر المختار احد عوامل وحدة الليبيين فلماذا الإصرار على استخدام وقائع اسره و تصفيته في مزيد “التفريق” حتى بعد أكثر من 90 عاما من وقوعها .. على خبر أسره الغى جراتسياني رحلة له إلى باريس و جاء عبر طرابلس إلى بنغازي من أجل أن يُشرف على تصفيته بنفسه . قضى ليلة كاملة معه لم يتفوه فيها عمر المختار بغير ما يُغيض عدوه. لم يتكلم عن أن احدا وشى به من العرب الذين كانوا ضده. و تلك محامد القادة. فلم تقولون على لسانه ما لم يقله و ما اراده الإيطاليون ؟قال جرتسياني في تلك الليلة سألته: الم يراودك الأمل في إمكانية طردنا من برقة بهذا العدد الضئيل من الرجال و الإمكانيات؟
فرد عمر المختار : كلا فهذا كان مستحيلا..فقلت له : إذن ما الذي كنت تنوي إدراكه؟فأجاب : أنا كنت أحارب من أجل ديني و حبي له ، اما الباقي فكان بين يدي القدر.و هذه العبارة يمكن إختصارها في:” المهم القيام بالواجب” ليبيا في عهد مملكتها و جمهوريتها و جماهيرتها اقفلت الكلام نهائياً في كل ما من شأنه أن يثير الفرقة بين أهلها و عاشت على هذا، و لن تستقر في اي وقت إلا على هذه القاعدة. فلماذا “ينبش” كثيرون في مقبرة رذائل الماضي ليظهروا سوءاته و بينهم للأسف من يُعدُّوا في مصاف النخبة المستنيرة ؟ إن الذين ينبشون في ” المناقد” القديمة و الجديدة أسوأ من الذين صنعوا تلك “المناقد”، و هم اخطر على ليبيا من عدوها لأن العدو بدون عاداتهم السيئة هذه لن يستطيع فعل شيء؟ لن نستعيد بلادنا ما لم نُقيل عثراتنا ، و نتغاضى عن “سوايانا” .. فكفى تسابقا في تناقل الأخبار المنحولة و تضخيم السيئة و إحياء رذائل الماضي و رعاية و تكبير رذائل اليوم ..