المهدي يوسف كاجيجي
في مقال قديم، كتبته منذ عشر سنوات تقريبا، وصفت فيه المشهد الليبي وقتها، بأنه كحافلة يقودها سائق مجنون، تسير على طريق شديد الانحدار ، بدون مكابح ” فرامل “ بينما ركابها متشابكون في شجار بالأيدي بعضهم ضد بعض. وقتها، صنف المحللون، كل حسب اتجاهاته، أسباب الخلاف بالسياسية والمناطقية والقبلية إلخ، وتفرع ليشمل الملتحين والأمردين، الخضر والحمر، عربا وبربرا، أبيض وأكحل، تارقيا وتباويا، إلى آخر قائمة التسميات المطروحة. مع الوقت انكشفت الحقيقة، وتأكد أنه مهما تعددت الأسماء والتسميات في المشهد الليبي، فهي مجرد وسائل للوصول إلى هدف واحد وهو المال العام. وكرسي السلطة هو أقصر الطرق للوصول إليه. يبدو أنها ثقافة موروثة، إذ يذكر المؤرخ الفرنسي “شارل فيرو” في كتابه “الحَوليّاتِ الِليبيِّة” في الجزء الخاص بالحقبة القره مانلية، أن يوسف باشا القره مانلي الذى قتل أخاه في حجر أمه للوصول إلى كرسي الحكم، وبمناسبة زواج ابنه، طالب جميع القناصل الأجانب بتقديم هدايا له، فهداه قنصل الدانمارك علبة مجوهرات كبيرة مطعمة بالأحجار الكريمة، فأعادها إليه بعد تحطيمها، ولمّح بشكل غير مباشر بقوله: إنه لا يقبل إلا (هدايا رنَّانة) أي نقوداً. يا واكل دحي القاضي السؤال الذي يرعبني الآن هو: هل من يتصدرون المشهد الليبي الآن، ومشغولون بالصراع على كراسي السلطة، على دراية بما يجري حولنا في هذه الآونة ؟ ـ هل يعلمون شيئا عن عالم بدا يتشكل من جديد وبسرعة رهيبة، مطروحة فيه كل الاحتمالات حتى الحرب النووية ؟ هل هم على دراية بنتائج التحالفات التي ورطونا فيها مع القوى الأجنبية، وما سيترتب عليها ؟
وكما يقول المثل الليبي ” يا واكل دحي القاضي يا راده فلاليس”. ولكن الثمن المتوجب دفعه هنا، لن يكون مجرد ” فلاليس” بل سيشمل وطنًا كاملا أرضاً وشعبًا. وليرحمنا الله من طمعنا ومما هو قادم.